الدعوى المدنية في قانون الإجراءات الجديد 08-09
صفحة 1 من اصل 1
الدعوى المدنية في قانون الإجراءات الجديد 08-09
بصدور القانون الجديد 08-09 المؤرخ في 25 فبراير 2008 و المتضمن الإجراءات المدنية والإدارية، وجب على كل مشتغل بميدان القضاء أو كل دارس للقانون أن يدلي فيه برأيٍ وذلك بعد الفحص والتمحيص، خدمة للعدالة أولا ومساهمة في بناء دولة القانون ثانيا. غير متذرع بحجة كونه قد صدر وانتهى الأمر، ذلك أنه لن يخلو قانون من وضع البشر للمراجعة بالتعديل أو التتميم، فكل مساهمة قد تكون بناءة. لذا ارتأينا أن نساهم ولو بموضوع بسيط عن الدعوى المدنية في ظل القانون الجديد:
أولا أحكام الإختصاص:
• في أحكام الإختصاص النوعي نصت المادة 32/ف3 على (أن المحكمة تفصل في جميع القضايا لا سيما المدنية.. التي تختص بها إقليميا) ووجب أن ننبه هنا أن هذه المادة وردت ضمن الفصل الثاني بعنوان الإختصاص النوعي مما يجعل كلمة إقليميا كلمة واردة في غير محلها جاء بها المشرع على وجه اـزيادة الغير مستحسنة.
وتواصل المادة عبر فقراتها التالية بأن القسم المدني في المحاكم التي لم تنشأ بها أقسام يقون مختصا بنظر المنازعات الأخرى باستثناء المنازعة الاجتماعية طبعا لاختلاف التشكيلة التي تنظر فيها. وأن جدولة القضايا أمام الأقسام يتم حسب نوع القضية، مع الإشارة إلى أن الاختصاص المقصود هنا يتعلق بتنظيم المحكمة فقط حسب ما هو وارد في القانون العضوي 05-11 المتعلق بالتنظيم القضائي لذا فإنه لا يمكن رفض الدعوى لعدم الاختصاص عند الخطأ في القسم بل يحال الملف عن طريق أمانة الضبط إلى القسم المختص تنظيميا. وننبه هنا أيضا إلى أن المشرع قد عالج بنص هذه المادة مشكلا طالما طرح أثناء سريان القانون القديم وهو المتعلق برفض الدعوى لعدم استيفاء المصاريف بناء على نص المادة 213 من قانون التسجيل( معدلة بقانون المالية لسنة 2003 ).
كما جاء المشرع أيضا بأحكام أخرى جديدة تتعلق بالأقطاب القضائية التابعة للمحاكم، وهذه الأقطاب يؤول إليها الاختصاص الحصري للنظر في المواد التي حددتها الفقرة السابعة من المادة 32؛ هذه الأقطاب سيحدد التنظيم مقراتها واختصاصها الإقليمي، وهي تفصل بتشكيلة مغايرة لتشكيلة الأقسام على مستوى المحكمة إذ تتكون من قضاة ثلاثة.
أما المادة 33 فنصت على أن الدعاوى التي تقل قيمتها عن مائتي ألف دينار تفصل فيها المحكمة بحكم في أول وآخر درجة وهذا استثناء عن المبدأ العام الذي مفاده القضاء بحكم قابل للاستئناف. فهذا النص إذن يتعلق بما يعرف بالإختصاص القيمي للدعوى I وهو داخل تحت الإختصاص النوعي، والمشرع رغم مسايرته لواقع الحال برفعه من قيمية الدعوى المنصوص عليها سابقا في المادة الثانية. إلا أنه لم ينتبه للإشكال الذي تطرحه الدعاوى الغير محددة القيمة أي التي لا يكون محل المطالبة فيها مبلغا من النقود: مثل دعوى صحة العقد، أو دعوى الارتفاق، أو دعوى استرЯاد الحيازة هل تقدر قيمتها بالتعويض المطلوب أم بقيمة العقار المتنازعة حيازته ؟
فكان على المشرع أن يضع قواعد واضحة كتلك التي سنها المشرع المصري في المادة 37 من قانون المرافعات ومن بين ما جاء فيها أن (الدعوى المتعلقة بحق ارتفاق تقدر قيمتها بربع قيمة العقار- ودعوى الحيازة قيمتها بقيمة الحق الذي ترد عليه الحيازة- ودعوى المحاصيل حسب أسعارها في السوق- ودعوى طلب صحة العقد أو فسخه أو ابطاله قيمتها بقيمة المتعاقد عليه-…) وأهم منها المادة 41 من قانون المرافعات دائما التي تنص على أنه (إذا كانت الدعوى بطلب غير قابل للتقدير.. اعتبرت قيمتها زائدة على أربعين ألف جنيه(وهو معيار قيمية الدعوى في القانون المصري)).
والاختصاص النوعي حسب المادة 36 تتعلق طبيعته بالنظام العام يقضي به القاضي من تلقاء نفسه دون انتظار طلبه، وفي أي مرحلة كانت عليها الدعوى.
• أما الاختصاص المحلي أو الإقليمي حسب المصطلح الوارد في القانون الجديد فقد أقرت المادة 37 مبدأه العام وهو انعقاد الاختصاص للجهة القضائية الواقع بها موطن المدعى عليه (مع التفصيل فيه)؛ وخلاف المبدأ هو ما نصت عليه المادتان 39 و40. واستثناء آخر عن مبدأ الإقليمية جاءت به أحكام المادتين 43 و44 أي عندما يكون القاضي خصما مدعيا أو مدعى عليه.
وتعلقت أحكام المواد 45، 46، و47 بطبيعة الاختصاص. وتوزعت بعض أحكام الاختصاص الإقليمي عبر المواد 51، 52؛ و427، 464، 498، 501، 518، 532، وهو توزيع نراه من زاوية نظرنا غريبا ومن زاوية نظر أخرى تكرارا زائدا لا يؤدي إلا إلى تعقيد الإجراءات بلا فائدة مرجوة.
• مع الإشارة إلى أن القانون الجديد أبقى على حالة واحدة فقط تنعقد فيها ولاية النظر لمحكمة مقر المجلس وذلك فيما تعلق بدعاوى الملكية الفكرية؛ عكس ما كان معمولا به سابقا من خلال المادة الأولى فقرة 2 التي تضمنت تسع حالات ينعقد فيه الاختصاص النوعي الذي يقتضي حتما الاختصاص المحلي لمحكمة مقر المجلس.
ثانيا كيفية رفع الدعوى:
• يتم رفع الدعوى من ذي صفة وصاحب مصلحة(مادة 13) والملاحظ هنا أن المشرع تجنب الخطأ الذي وقع فيه بنص المادة 459 ق إ قديم والذي اعتبر الأهلية شرطا من شروط قبول الدعوى، رغم أن الفقه جرى على "اعتبارها شرطا من الشروط المتعلقة بأشخاص الدعوى لا بالدعوى ذاتها" II ، وهذه النقطة تحسب لصالح التقنين الجديد.
وترفع الدعوى بواسطة عريضة مكتوبة(مادة 14) فلا يمكن أن تفتح الدعوى عن طريق التصريح الشفهي(مادة 12 ق إ م قديم) ويجب أن توافق العريضة الشكلية المحددة في المادة 15 ق إ م تحت طائلة عدم القبول، كما أنها يجب أن تحرر باللغة العربية(مادة وهذا النص جاء تكريسا لمبدأ دستوري ومتوافقا مع قانون تعميم استعمال اللغة العربية III. وتقيد هذه العريضة بأمانة ضبط المحكمة بعد دفع الرسوم المحددة وبعدد نسخ يساوي عدد الأطراف وتسلم هذه النسخ للمدعي بعد التأشير عليها بتاريخ ورقم الجلسة حتى يسعى لتبليغها بواسطة المحضر القضائي قبل الدخول في ميعاد 20 يوما السابقة عن تاريخ أول جلسة (المواد 14-15-16,17).
وما يمكن أن نلاحظه في باب رفع الدعوى هو مسألة شهر الدعوى العقارية متى تعلقت بعقار أو بحق عيني مشهر مثلما نصت بذلك المادة 17 وأكدته أكثر المادة 519 من القانون الجديد.
أما فيما يتعلق بالمرفقات وهي المستندات التي يؤسس عليها المدعي دعواه ويبني طلباته بمقتضاها فقد أوجب التشريع الجديد تقديمها لأمين الضبط مقابل وصل استلام حتى يقوم بجردها والتأشير عليها وإلا رفضت، ويقوم المدعي بتبليغ نسخ عنها لخصمه مع العريضة الافتتاحية، أما الأوراق والسندات اللاحقة فتبلغ أيضا للخصم بالطريقة التي يحددها القاضي تحت طائلة غرامية تهديدية، والقاضي يفصل في الإشكالات التي قد تثار في هذا الجانب. مع ملاحظة أن المواد المتعلقة بهذا الموضوع (21-24 و 70-74 ) لن ينتج عنها سوى عرقلة وإطالة أمد التقاضي وهو أمر كان من الممكن اجتنابه بواسطة نصوص لينة مراعاة لمبدأ حسن سير العدالة وتبسيط الإجراءات.
ثالثا إجراءات سير الدعوى:
• بعد تسجيل عريضة افتتاح الدعوى الكاملة الشكل، وتبليغها بواسطة المحضر القضائي طبقا لأحكام التبليغ الواردة في المواد 18-19 و 406 إلى 416 مع الإشارة إلى أن إحدى المادتين 19 أو 416 هي مجرد تكرار زائد لمضمون المادة الأخرى. فبعد تبليغ عريضة الافتتاح تنعقد الخصومة ويستفيد الخصوم خلال سيرها من فرص متكافئة لعرض طلباتهم ووسائل دفاعهم ملتزمين بمبدأ الوجاهية حسب المادة 3.
كما أنهم قد يستفيدون من الطرق البديلة التي كفلها المشرع لحل المنازعة، وهي :
الصلح: وهو إجراء جوازي يقوم به القاضي من تلقاء نفسه بموجب أحكام المادة الرابعة والمواد 990 إلى 993 . وإذا كانت القاعدة تقول أن لكل مبدآ استثناء، فمبدأ جوازية الصلح يطرأ عليه استثناء الوجوبية وذلك فيما تعلق بمنازعات شؤون الأسرة وبالتحديد في دعاوى الطلاق (المواد 439 إلى 449).
الوساطة: هي إجراء جديد استحدثه المشرع كوسيلة بديلة لحل النزاعات، بغية التنفيس عن الجهاز القضائي بانقاص الضغط عليه أو أيا ما يكون الغرض منه فهوا إجراء جمع المشرع فيه بين الوجوب والجواز: إذ على القاضي وجوبا أن يعرضه على المتخاصمين في جميع المواد ما عدا حالة مادتي شؤون الأسرة والقضايا العمالية أو القضايا التي قد تمس بالنظام العام؛ أما كونه جوازيا أي أنه لا يمكن فرضه على الخصوم لا من طرف القاضي على المتقاضين أو من الخصم على الخصم الآخر؛ ونظمت هذا الإجراء الذي يتم تحت رقابة القاضي المواد من 994 إلى 1005.
التحكيم: هو إجراء سابق عن رفع الدعوى يمكن لأي شخص اللجوء إليه مع مراعاة المادة 1006 التي نظمته مع المواد من 1007 إلى 1061.
• إذا فشلت مساعي الصلح أو الوساطة يستمر الخصوم في خدمة دعواهم بالكيفية المتاحة قانونا سواء باللجوء إلى الدفوع الموضوعية التي أشارت المادة 48 إليها إشارة عابرة على اعتبار أنها موزعة على القوانين الموضوعية ولا تتعلق بالقوانين الإجرائية، أو باللجوء إلى الدفوع الشكلية ودفوع عدم قبول الدعوى؛ مع ملاحظة الاتجاه الجديد الذي نحاه المشرع في تقريره لجزاء بطلان الأعمال الإجرائية بموجب المادة 60 التي نصت على (أن من يتمسك بالبطلان أن يثبت الضرر الذي لحقه) فالمشرع الذي كان قد تبنى في التقنين القديم مذهبي البطلان بنص صريح والبطلان لمخالفة القواعد الجوهرية VI تنازل في هذا التقنين الحديث عن مذهب البطلان بنص لصالح البطلان الجوهري.
• ومن خلال أحد فصول الباب الرابع من الكتاب الأول فصل المشرع في إجراءات التحقيق واستجواب الخصوم والإنابات القضائية، إضافة إلى الخبرة، والمعاينات، وسماع الشهود، ومضاهاة الخطوط وتزوير العقود، واليمين. وهي إجراءات لا تكفيها هذه العجالة بل يحتاج بعضها أو كلها لموضوع منفرد خاص به.
• واستمرارا في خدمة الخصوم لدعواهم بواسطة الطلبات، كفل المشرع أيضا على غرار القانون القديم مسألة الطلبات العارضة بإدخال خصم آخر في النزاع خدمة لأحد طرفي النزاع، كما كفل التدخل في الدعوى أيضا ( 194- 206 ).
كما أن الدعوى أثناء سيرها قد تطرأ عليها بعض العوارض التي قد تؤثر عليها إما بإنهائها أو بإرجائها، وكذلك بضمها أو فصلها ( 207- 240 ).
رابعا الحكم في الدعوى:
تخرج القضية عن الجدول حينما يقرر القاضي إغلاق باب المرافعات، وينطق فيها بحكمه علانية في الجلسة نفسها أو في تاريخ لاحق يحدده للخصوم، ويكون الحكم مسببا من جهة القانون والوقائع يشار فيه للمواد المطبقة، وتتضمن ديباجته وجوبا الشكلية المحددة في المادة 276، وينتهي بخلاصة هي عبارة عن منطوقه.
• والأحكام وفق القانون الجديد تنقسم من حيث فصلها في موضوع النزاع إلى:
أحكام فاصلة في الموضوع: كليا أو جزئيا، أوفي موضوع النزاع أو في دفع إجرائي أو دفع يتعلق بعدم القبول، أو في أي طلب عارض؛ وهذه الأحكام تحوز على حجية الشيء المقضي فيه.
أحكام قبل الفصل في الموضوع: الأحكام الآمرة بإجراء تحقيق أو تدبير مؤقت، أو ما كان يعرف في ظل القانون القديم بالأحكام التحضيرية والتمهيدية، فالمشرع ألغى هذا التمايز وأعطى لها نفس التسمية مع نفس الأثر المترتب عنها والقاضي بأنها أحكام لا تحوز أي حجية لما قضت فيه، كما أنها أحكام لا يمكن استئنافها إلا بمعية الحكم الفاصل في الموضوع.
• وتنقسم من حيث الوجاهية بالنسبة لأطرافها إلى:
أحكام حضورية: كل حكم أثناء سريان الخصومة كان فيه الشخص حاضرا بنفسه أو بممثله، أو قدم مذكراته في الدعوى ولو بواسطة محاميه فقط(288). كما أن الحكم يصدر حضوريا حتى في مواجهة المدعي الذي لا يحضر الجلسة ولم يقدم سببا مشروعا لغيابه (289)ونتساءل هنا: ماذا يقصد بالسبب المشروع؟ وكيف يمكن لمن هو غائب أن يقدمه؟
أحكام غيابية: هي الأحكام التي لم يحضر فيها المدعى عليه رغم صحة تبليغه بالدعوى 292، ولكن التبليغ غير شخصي أي بلغ للغير طبقا للمادة 410.
أحكام معتبرة حضوريه: إذا كان التكليف بالحضور للمدعى عليه شخصيا أو لوكيله ولم يحضر رغم ذلك، يفصل في الدعوى بحكم غير قابل للمعارضة أي بحكم اعتباري حضوري.
خاتمة
هذا ونشير في الأخير أن الموضوع اقتصر على سير الدعوى أمام درجة التقاضي الأولى على اعتبار أن أحكامها على مستوى الدرجة الثانية تكاد تكون متماثلة، وأننا إذ قدمنا بعض ملاحظاتنا بالنقد فهي لا تعبر سوى عن وجهة نظرنا، وربما أغفلنا بعض الأحكام الجديدة ولم نتوقف عندها مثل المادة 260 جديد المقابلة للمادة 141 قديم -مع تعديل طفيف مس خاصة سريانها على مستوى المحكمة- ؛ وكذلك بعض النصوص التي تقضي بأنه يمكن للقاضي رئيس القسم النظر في تدابير الاستعجال ويتخذ فيها التدابير التحفظية اللازمة وفقا للمواد ( 425، 521، 506، 536 ). وأيضا وجوبية الاستعانة بمحام على مستوى الدرجة الثانية، وغيرها.
المراجع المأخوذ منها :
1- خالد حسن/ الدفوع في المرافعات/ ص909/ طبع نقابة محامي الإسكندرية/ مصر.
2- د.أحمد مسلم/ قانون القضاء المدني/ ص 150/ دار النهضة العربية/ بيروت، لبنان.
3- المادة 7 من القانون 91-09 في 16 ينياير 1991 معدل بالمرسوم 96-30.
4- د.بارش سليمان/ شرح ق إ م الجزائري/ ص102/ دار الهدى/الجزائر/ ط2006
أولا أحكام الإختصاص:
• في أحكام الإختصاص النوعي نصت المادة 32/ف3 على (أن المحكمة تفصل في جميع القضايا لا سيما المدنية.. التي تختص بها إقليميا) ووجب أن ننبه هنا أن هذه المادة وردت ضمن الفصل الثاني بعنوان الإختصاص النوعي مما يجعل كلمة إقليميا كلمة واردة في غير محلها جاء بها المشرع على وجه اـزيادة الغير مستحسنة.
وتواصل المادة عبر فقراتها التالية بأن القسم المدني في المحاكم التي لم تنشأ بها أقسام يقون مختصا بنظر المنازعات الأخرى باستثناء المنازعة الاجتماعية طبعا لاختلاف التشكيلة التي تنظر فيها. وأن جدولة القضايا أمام الأقسام يتم حسب نوع القضية، مع الإشارة إلى أن الاختصاص المقصود هنا يتعلق بتنظيم المحكمة فقط حسب ما هو وارد في القانون العضوي 05-11 المتعلق بالتنظيم القضائي لذا فإنه لا يمكن رفض الدعوى لعدم الاختصاص عند الخطأ في القسم بل يحال الملف عن طريق أمانة الضبط إلى القسم المختص تنظيميا. وننبه هنا أيضا إلى أن المشرع قد عالج بنص هذه المادة مشكلا طالما طرح أثناء سريان القانون القديم وهو المتعلق برفض الدعوى لعدم استيفاء المصاريف بناء على نص المادة 213 من قانون التسجيل( معدلة بقانون المالية لسنة 2003 ).
كما جاء المشرع أيضا بأحكام أخرى جديدة تتعلق بالأقطاب القضائية التابعة للمحاكم، وهذه الأقطاب يؤول إليها الاختصاص الحصري للنظر في المواد التي حددتها الفقرة السابعة من المادة 32؛ هذه الأقطاب سيحدد التنظيم مقراتها واختصاصها الإقليمي، وهي تفصل بتشكيلة مغايرة لتشكيلة الأقسام على مستوى المحكمة إذ تتكون من قضاة ثلاثة.
أما المادة 33 فنصت على أن الدعاوى التي تقل قيمتها عن مائتي ألف دينار تفصل فيها المحكمة بحكم في أول وآخر درجة وهذا استثناء عن المبدأ العام الذي مفاده القضاء بحكم قابل للاستئناف. فهذا النص إذن يتعلق بما يعرف بالإختصاص القيمي للدعوى I وهو داخل تحت الإختصاص النوعي، والمشرع رغم مسايرته لواقع الحال برفعه من قيمية الدعوى المنصوص عليها سابقا في المادة الثانية. إلا أنه لم ينتبه للإشكال الذي تطرحه الدعاوى الغير محددة القيمة أي التي لا يكون محل المطالبة فيها مبلغا من النقود: مثل دعوى صحة العقد، أو دعوى الارتفاق، أو دعوى استرЯاد الحيازة هل تقدر قيمتها بالتعويض المطلوب أم بقيمة العقار المتنازعة حيازته ؟
فكان على المشرع أن يضع قواعد واضحة كتلك التي سنها المشرع المصري في المادة 37 من قانون المرافعات ومن بين ما جاء فيها أن (الدعوى المتعلقة بحق ارتفاق تقدر قيمتها بربع قيمة العقار- ودعوى الحيازة قيمتها بقيمة الحق الذي ترد عليه الحيازة- ودعوى المحاصيل حسب أسعارها في السوق- ودعوى طلب صحة العقد أو فسخه أو ابطاله قيمتها بقيمة المتعاقد عليه-…) وأهم منها المادة 41 من قانون المرافعات دائما التي تنص على أنه (إذا كانت الدعوى بطلب غير قابل للتقدير.. اعتبرت قيمتها زائدة على أربعين ألف جنيه(وهو معيار قيمية الدعوى في القانون المصري)).
والاختصاص النوعي حسب المادة 36 تتعلق طبيعته بالنظام العام يقضي به القاضي من تلقاء نفسه دون انتظار طلبه، وفي أي مرحلة كانت عليها الدعوى.
• أما الاختصاص المحلي أو الإقليمي حسب المصطلح الوارد في القانون الجديد فقد أقرت المادة 37 مبدأه العام وهو انعقاد الاختصاص للجهة القضائية الواقع بها موطن المدعى عليه (مع التفصيل فيه)؛ وخلاف المبدأ هو ما نصت عليه المادتان 39 و40. واستثناء آخر عن مبدأ الإقليمية جاءت به أحكام المادتين 43 و44 أي عندما يكون القاضي خصما مدعيا أو مدعى عليه.
وتعلقت أحكام المواد 45، 46، و47 بطبيعة الاختصاص. وتوزعت بعض أحكام الاختصاص الإقليمي عبر المواد 51، 52؛ و427، 464، 498، 501، 518، 532، وهو توزيع نراه من زاوية نظرنا غريبا ومن زاوية نظر أخرى تكرارا زائدا لا يؤدي إلا إلى تعقيد الإجراءات بلا فائدة مرجوة.
• مع الإشارة إلى أن القانون الجديد أبقى على حالة واحدة فقط تنعقد فيها ولاية النظر لمحكمة مقر المجلس وذلك فيما تعلق بدعاوى الملكية الفكرية؛ عكس ما كان معمولا به سابقا من خلال المادة الأولى فقرة 2 التي تضمنت تسع حالات ينعقد فيه الاختصاص النوعي الذي يقتضي حتما الاختصاص المحلي لمحكمة مقر المجلس.
ثانيا كيفية رفع الدعوى:
• يتم رفع الدعوى من ذي صفة وصاحب مصلحة(مادة 13) والملاحظ هنا أن المشرع تجنب الخطأ الذي وقع فيه بنص المادة 459 ق إ قديم والذي اعتبر الأهلية شرطا من شروط قبول الدعوى، رغم أن الفقه جرى على "اعتبارها شرطا من الشروط المتعلقة بأشخاص الدعوى لا بالدعوى ذاتها" II ، وهذه النقطة تحسب لصالح التقنين الجديد.
وترفع الدعوى بواسطة عريضة مكتوبة(مادة 14) فلا يمكن أن تفتح الدعوى عن طريق التصريح الشفهي(مادة 12 ق إ م قديم) ويجب أن توافق العريضة الشكلية المحددة في المادة 15 ق إ م تحت طائلة عدم القبول، كما أنها يجب أن تحرر باللغة العربية(مادة وهذا النص جاء تكريسا لمبدأ دستوري ومتوافقا مع قانون تعميم استعمال اللغة العربية III. وتقيد هذه العريضة بأمانة ضبط المحكمة بعد دفع الرسوم المحددة وبعدد نسخ يساوي عدد الأطراف وتسلم هذه النسخ للمدعي بعد التأشير عليها بتاريخ ورقم الجلسة حتى يسعى لتبليغها بواسطة المحضر القضائي قبل الدخول في ميعاد 20 يوما السابقة عن تاريخ أول جلسة (المواد 14-15-16,17).
وما يمكن أن نلاحظه في باب رفع الدعوى هو مسألة شهر الدعوى العقارية متى تعلقت بعقار أو بحق عيني مشهر مثلما نصت بذلك المادة 17 وأكدته أكثر المادة 519 من القانون الجديد.
أما فيما يتعلق بالمرفقات وهي المستندات التي يؤسس عليها المدعي دعواه ويبني طلباته بمقتضاها فقد أوجب التشريع الجديد تقديمها لأمين الضبط مقابل وصل استلام حتى يقوم بجردها والتأشير عليها وإلا رفضت، ويقوم المدعي بتبليغ نسخ عنها لخصمه مع العريضة الافتتاحية، أما الأوراق والسندات اللاحقة فتبلغ أيضا للخصم بالطريقة التي يحددها القاضي تحت طائلة غرامية تهديدية، والقاضي يفصل في الإشكالات التي قد تثار في هذا الجانب. مع ملاحظة أن المواد المتعلقة بهذا الموضوع (21-24 و 70-74 ) لن ينتج عنها سوى عرقلة وإطالة أمد التقاضي وهو أمر كان من الممكن اجتنابه بواسطة نصوص لينة مراعاة لمبدأ حسن سير العدالة وتبسيط الإجراءات.
ثالثا إجراءات سير الدعوى:
• بعد تسجيل عريضة افتتاح الدعوى الكاملة الشكل، وتبليغها بواسطة المحضر القضائي طبقا لأحكام التبليغ الواردة في المواد 18-19 و 406 إلى 416 مع الإشارة إلى أن إحدى المادتين 19 أو 416 هي مجرد تكرار زائد لمضمون المادة الأخرى. فبعد تبليغ عريضة الافتتاح تنعقد الخصومة ويستفيد الخصوم خلال سيرها من فرص متكافئة لعرض طلباتهم ووسائل دفاعهم ملتزمين بمبدأ الوجاهية حسب المادة 3.
كما أنهم قد يستفيدون من الطرق البديلة التي كفلها المشرع لحل المنازعة، وهي :
الصلح: وهو إجراء جوازي يقوم به القاضي من تلقاء نفسه بموجب أحكام المادة الرابعة والمواد 990 إلى 993 . وإذا كانت القاعدة تقول أن لكل مبدآ استثناء، فمبدأ جوازية الصلح يطرأ عليه استثناء الوجوبية وذلك فيما تعلق بمنازعات شؤون الأسرة وبالتحديد في دعاوى الطلاق (المواد 439 إلى 449).
الوساطة: هي إجراء جديد استحدثه المشرع كوسيلة بديلة لحل النزاعات، بغية التنفيس عن الجهاز القضائي بانقاص الضغط عليه أو أيا ما يكون الغرض منه فهوا إجراء جمع المشرع فيه بين الوجوب والجواز: إذ على القاضي وجوبا أن يعرضه على المتخاصمين في جميع المواد ما عدا حالة مادتي شؤون الأسرة والقضايا العمالية أو القضايا التي قد تمس بالنظام العام؛ أما كونه جوازيا أي أنه لا يمكن فرضه على الخصوم لا من طرف القاضي على المتقاضين أو من الخصم على الخصم الآخر؛ ونظمت هذا الإجراء الذي يتم تحت رقابة القاضي المواد من 994 إلى 1005.
التحكيم: هو إجراء سابق عن رفع الدعوى يمكن لأي شخص اللجوء إليه مع مراعاة المادة 1006 التي نظمته مع المواد من 1007 إلى 1061.
• إذا فشلت مساعي الصلح أو الوساطة يستمر الخصوم في خدمة دعواهم بالكيفية المتاحة قانونا سواء باللجوء إلى الدفوع الموضوعية التي أشارت المادة 48 إليها إشارة عابرة على اعتبار أنها موزعة على القوانين الموضوعية ولا تتعلق بالقوانين الإجرائية، أو باللجوء إلى الدفوع الشكلية ودفوع عدم قبول الدعوى؛ مع ملاحظة الاتجاه الجديد الذي نحاه المشرع في تقريره لجزاء بطلان الأعمال الإجرائية بموجب المادة 60 التي نصت على (أن من يتمسك بالبطلان أن يثبت الضرر الذي لحقه) فالمشرع الذي كان قد تبنى في التقنين القديم مذهبي البطلان بنص صريح والبطلان لمخالفة القواعد الجوهرية VI تنازل في هذا التقنين الحديث عن مذهب البطلان بنص لصالح البطلان الجوهري.
• ومن خلال أحد فصول الباب الرابع من الكتاب الأول فصل المشرع في إجراءات التحقيق واستجواب الخصوم والإنابات القضائية، إضافة إلى الخبرة، والمعاينات، وسماع الشهود، ومضاهاة الخطوط وتزوير العقود، واليمين. وهي إجراءات لا تكفيها هذه العجالة بل يحتاج بعضها أو كلها لموضوع منفرد خاص به.
• واستمرارا في خدمة الخصوم لدعواهم بواسطة الطلبات، كفل المشرع أيضا على غرار القانون القديم مسألة الطلبات العارضة بإدخال خصم آخر في النزاع خدمة لأحد طرفي النزاع، كما كفل التدخل في الدعوى أيضا ( 194- 206 ).
كما أن الدعوى أثناء سيرها قد تطرأ عليها بعض العوارض التي قد تؤثر عليها إما بإنهائها أو بإرجائها، وكذلك بضمها أو فصلها ( 207- 240 ).
رابعا الحكم في الدعوى:
تخرج القضية عن الجدول حينما يقرر القاضي إغلاق باب المرافعات، وينطق فيها بحكمه علانية في الجلسة نفسها أو في تاريخ لاحق يحدده للخصوم، ويكون الحكم مسببا من جهة القانون والوقائع يشار فيه للمواد المطبقة، وتتضمن ديباجته وجوبا الشكلية المحددة في المادة 276، وينتهي بخلاصة هي عبارة عن منطوقه.
• والأحكام وفق القانون الجديد تنقسم من حيث فصلها في موضوع النزاع إلى:
أحكام فاصلة في الموضوع: كليا أو جزئيا، أوفي موضوع النزاع أو في دفع إجرائي أو دفع يتعلق بعدم القبول، أو في أي طلب عارض؛ وهذه الأحكام تحوز على حجية الشيء المقضي فيه.
أحكام قبل الفصل في الموضوع: الأحكام الآمرة بإجراء تحقيق أو تدبير مؤقت، أو ما كان يعرف في ظل القانون القديم بالأحكام التحضيرية والتمهيدية، فالمشرع ألغى هذا التمايز وأعطى لها نفس التسمية مع نفس الأثر المترتب عنها والقاضي بأنها أحكام لا تحوز أي حجية لما قضت فيه، كما أنها أحكام لا يمكن استئنافها إلا بمعية الحكم الفاصل في الموضوع.
• وتنقسم من حيث الوجاهية بالنسبة لأطرافها إلى:
أحكام حضورية: كل حكم أثناء سريان الخصومة كان فيه الشخص حاضرا بنفسه أو بممثله، أو قدم مذكراته في الدعوى ولو بواسطة محاميه فقط(288). كما أن الحكم يصدر حضوريا حتى في مواجهة المدعي الذي لا يحضر الجلسة ولم يقدم سببا مشروعا لغيابه (289)ونتساءل هنا: ماذا يقصد بالسبب المشروع؟ وكيف يمكن لمن هو غائب أن يقدمه؟
أحكام غيابية: هي الأحكام التي لم يحضر فيها المدعى عليه رغم صحة تبليغه بالدعوى 292، ولكن التبليغ غير شخصي أي بلغ للغير طبقا للمادة 410.
أحكام معتبرة حضوريه: إذا كان التكليف بالحضور للمدعى عليه شخصيا أو لوكيله ولم يحضر رغم ذلك، يفصل في الدعوى بحكم غير قابل للمعارضة أي بحكم اعتباري حضوري.
خاتمة
هذا ونشير في الأخير أن الموضوع اقتصر على سير الدعوى أمام درجة التقاضي الأولى على اعتبار أن أحكامها على مستوى الدرجة الثانية تكاد تكون متماثلة، وأننا إذ قدمنا بعض ملاحظاتنا بالنقد فهي لا تعبر سوى عن وجهة نظرنا، وربما أغفلنا بعض الأحكام الجديدة ولم نتوقف عندها مثل المادة 260 جديد المقابلة للمادة 141 قديم -مع تعديل طفيف مس خاصة سريانها على مستوى المحكمة- ؛ وكذلك بعض النصوص التي تقضي بأنه يمكن للقاضي رئيس القسم النظر في تدابير الاستعجال ويتخذ فيها التدابير التحفظية اللازمة وفقا للمواد ( 425، 521، 506، 536 ). وأيضا وجوبية الاستعانة بمحام على مستوى الدرجة الثانية، وغيرها.
المراجع المأخوذ منها :
1- خالد حسن/ الدفوع في المرافعات/ ص909/ طبع نقابة محامي الإسكندرية/ مصر.
2- د.أحمد مسلم/ قانون القضاء المدني/ ص 150/ دار النهضة العربية/ بيروت، لبنان.
3- المادة 7 من القانون 91-09 في 16 ينياير 1991 معدل بالمرسوم 96-30.
4- د.بارش سليمان/ شرح ق إ م الجزائري/ ص102/ دار الهدى/الجزائر/ ط2006
مواضيع مماثلة
» الدعوى العادية والإدارية في قانون الإجراءات المدنية والإدارية
» هنا النقاش مفتوح حول قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد
» سقوط الخصومة في ظل قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد 08-09
» تقديم وتبليغ أدلة الإثبات في قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد 09/08
» مختصر رائع للمواد المهمة جدا : المواعيد والآجال في قانون الإجراءات المدنية الجديد 08-09
» هنا النقاش مفتوح حول قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد
» سقوط الخصومة في ظل قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد 08-09
» تقديم وتبليغ أدلة الإثبات في قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد 09/08
» مختصر رائع للمواد المهمة جدا : المواعيد والآجال في قانون الإجراءات المدنية الجديد 08-09
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى