منتديات الأستاذ : موجــاج مـهدي للقانون العام والخاص
محاضرات في فلسفة القانون 2012 . W6w20012



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات الأستاذ : موجــاج مـهدي للقانون العام والخاص
محاضرات في فلسفة القانون 2012 . W6w20012

منتديات الأستاذ : موجــاج مـهدي للقانون العام والخاص
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

محاضرات في فلسفة القانون 2012 .

اذهب الى الأسفل

محاضرات في فلسفة القانون 2012 . Empty محاضرات في فلسفة القانون 2012 .

مُساهمة من طرف الأستاذ : موجاج مهدي الجمعة فبراير 03, 2012 12:48 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


لا يمكن التطرق لدراسة فلسفة القانون دون إعطاء لمحة حول العلوم القانونية المختلفة ، لذلك نحاول أن نبرز مفهوم العلوم القانونية و العلاقة بينهما و بين كل فروع العلوم الأخرى التي لها علاقة بها .
1/* تعريف القانون :
أصل هذه الكلمة هو يوناني و هي تعني العصا المستقيمة ، غير أن استخدامها في اللغة اليونانية كان بطريقة مجازية للتعبير عن معنى " القاعدة أو المبدأ " ، فهم لا يقصدون بها الدلالة العصا لأداة الضرب أو التأديب ، بل يقصدون بها الدلالة على الاستقامة في القواعد و المبادئ القانونية
و انتقلت هذه الكلمة إلى عدة لغات ففي اللغة الفرنسية نقول : ، اللغة الايطالية نقول :
فالقانون لغة : معناه الخط المستقيم الذي يعتبر مقياسا للانحراف
2/* الاستعمالات المختلفة لكلمة " القانون " :
ميزت اللغة الفرنسية بين عدة مفردات : هناك : ، هناك : ، هناك :
فيفها يتعلق بكلمة قانون فهي تستعمل للتعبير عن مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأفراد و علاقتهم فيما بينهم في المجتمع على وجه ملزم ، و هذا يدخل في المعنى العام مثل : علم القانون ، كلية القانون
و هناك استعمال كلمة قانون بمعنى التقنيين و يقصد بالتقنيين مجموعة النصوص القانونية التي تنظم فرعا من فروع القانون مثل : التقنيين المدني ، تقنيين العقوبات .......
و تسمى باللغة الفرنسية فنقول : و و هناك استعمال كلمة قانون بمعنى تشريع فالتشريع هو مجموعة القواعد القانونية تضعها اللغة التشريعية في صورة مكتوبة ، دون غيرها من القواعد التي تنشأ في مصادر أخرى .
و من كل ذلك : قانون تنظيم الجامعات ، قانون الخدمة الوطنية
العلاقة بين القانون و الحق :
ينظم القانون بتواعد سلوك الأشخاص و علاقتهم بينهم في المجتمع ، و هو عندما يقوم بذلك ،فإنما يحدد في الوقت نفسه المصالح المشروعة لكل شخص و يعرف له في صدور معينة سلطة القيام ببعض الإعمال تحقيقا لهذه المصالح مما يجعله في مركز قانوني ممتاز بالنسبة إلى آفة الأشخاص الآخرين ، بحيث يلزمون باحترام هذا المركز و بعدم التعرض لصاحبه فيما يمارسه من سلطات أو مزايا يزوده بها القانون تحقيقا لمصلحة مشروعة .
هذه السلطات التي يعترف بها القانون تحقيقا للمصالح المشروعة تسمى حقوقا و هي تقابل الالتزامات التي يفرضها القانون ، فالصلة وثيقة بين القانون و الحق لان كل الحقوق تتولد عن
القانون الذي يرسم إطارها بين حدود ، مثال :
القاعدة القانونية التي تمنع الأفراد بالغير تقرر واجبا يلتزم به الكافة و يقابل هذا الواجب حقا لمن يصاب بضرر في الحصول على تعويض ممن يتسبب بخطاه في الإضرار به .
القاعدة القانونية التي تلزم المدين بالوفاء بالدين ، حيث تقرر واجبا على هذا المدين ، و يقابله حق الدائن يسمى حق الدائنية ، يحول هذا الأخير سلطة الاتحاد و القضاء من اجل إلزام المدين بالوفاء .

علاقة العلوم القانونية بالعلوم الأخرى :
قبل أن ينظر إلى واسط يجب أن تعرف أقسام العلوم القانونية و هي :
القانون العام و القانون الخاص .
1/* القانون العام :
يقسم القانون العام إلى : قانون عام خارجي و قانون عام داخلي
القانون العام الخارجي : هو القانون الدولي العام و هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات أيا كان نوعها فيما بين الدولة أو احد فروعها باعتبارها أشخاصا معنوية عامة ذات سيادة و بين دول أخرى أو احد فروعها في الخارج له نفس الصفة أو فيما بين الدولة و مجموعة من الدول الأخرى أو إحدى المنظمات الدولية سواء في زمن السلم أو الحرب أو الحياد
القانون العام الداخلي : و له عدة فروع و هي :
القانون الدستوري – القانون الجزائي – القانون الإداري – القانون المالي – قانون الإجراءات الجزائية
1/* القانون الدستوري : و هو دستور الدولة أو القانون الأساسي للدولة و يتضمن دستور الدولة مجموعة من القواعد التي تبين
أ / نظام الحكم في الدولة ( هل هو نظام ملكي – نظام دستوري – نظام رئاسي – برلماني ...)
ب / السلطات العامة في الدولة ، السلطة التشريعية ، القضائية ، التنفيذية ، و وظائف كل منهم و العلاقات فيما بينهم
ج / حقوق الأفراد العامة مثل حقهم في المساواة امام القانون و حق الانتخاب و حرية الرأي و العقيدة و الاجتماع و الصحافة ...الخ
د / الواجبات العامة التي تقع على عاتق الأفراد كواجبهم في الدفاع عن الوطن و واجبي أداء الضرائب
2/* القانون الإداري : و هو مجموعة القواعد القانونية التي تحكم هيئات و سير الادارة و القواعد القانونية القابلة للتطبيق عليها و علاقاتها بالافراد .
بمعنى آخر القواعد التي تنظم قيام السلطة التنفيذية بأداء وضايفها الإدارية المختلفة و تبين كيفية إدارتها للمرافق العامة و استغلالها للأموال العامة ، و تلك التي تحدد علاقة الحكومة بموضفيها و تتناول نشاط الإدارة و ما يصدر عنها من قرارات إدارية و ما يترتب من عقود إدارية . و يحدد القانون الإداري أسس الرقابة القضائية على إعمال الإدارة و يحدد طريقة ممارسة هذه الرقابة بواسطة المحاكم القضائية العادية او بواسطة قضاء إداري مستقل .
القانون الجنائي :
وهو مجموعة القواعد القانونية التي تبين القواعد الموضوعية و الإجرائية في مجالي التجريم و العقاب و بذلك فهو ينقسم إلى قسمين :
1/ قانون العقوبات : و هو القواعد القانونية التي تبين الجرائم المختلفة و العقوبات المقررة لها ..
2/ قانون الإجراءات الجزائية : وهو مجموعة القواعد التي تبين الإجراءات التي تتبع في ضبط الجرائم و التحقيق فيها و إصدار الأحكام على المتهمين بارتكابها كما يبين وساءل الطعن في هذه الأحكام و طرق تنفيذ العقوبات على المتهمين و كيفية اتخاذ تدابير الام بالنسبة لطوائف خاصة منهم
القانون المالي :
و هو مجموعة القواعد التي تنظم مالية الدولة من حيث تحديد وجوه المصروفات المختلفة و بيان مصادر الإجراءات ( من رسوم و ضرائب و غيرها ..... ) و كيفية تحصيلها و اعداد الميزانية و تنفيذها و اسس الرقابة على هذا التنفيذ .
فروع القانون الخاص :
القانون الخاص هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات فيما بين الافراد او بين الافراد و الدولة باعتبارها شخصا عاديا و ليس باعتبارها سلطة عامة
و للقانون الخاص مجموعة من الفروع هي :
القانون المدني : و يسمى بالشريعة العامة و تنظم احكامه العلاقات الخاصة بين الافراد ما لم يحكمها فرع آخر من فروع القانون الخاص . و معنى ذلك ان القانون المدني يكون واجب التطبيق على العلاقات التجارية الخاصة بين الافراد ما لم يوجد نص في اقانون التجاري . و هكذا مع بقية فروع القانون الخاص
و في جميع دول العالم يحتوي القانون المدني على النصوص التي تحكم العلاقات الشخصية و العلاقات المالية
فالعلاقات الشخصية و يطبق عليها كذلك الاحوال الشخصية تتعلق بالقواعد التي تحكم الاهلية و عوارضها ، و كذلك العلاقات العائلية مثل : الزواج و الطلاق كما تتضمن الاحكام المتعلقة بالمراث و الوصية و غيرها .
اما العلاقات المالية بين الافراد فهي تحتوي على الحقوق الشخصية و الحقوق العينية
فالحقوق الشخصية هي تلك الحقوق تترتب لشخص معين يسمى الدائن على شخص آخر يسمى المدين . و يسمى حق الدائن بحق الدائنية و حق المدين بحق المديونية او الالتزام .
غير ان ما يجدر ملاحظته او أن مضمون القانون المدني في الدول الاوروبية و الغربية يتضمن القواعد التي تحكم العلاقات الشخصية و كذا القواعد التي تحكم العلاقات المالية معا ، في حين ان الدول العربية يتضمن قانونها المدني القواعد المتعلقة بالعلاقات المالية فقط ، بينما هناك قانون آخر يتعلق بتنظيم العلاقات الشخصية او ما يسمى بالاحوال الشخصية .
القانون التجاري : و هو مجموعة القواعد القانونية التي تحكم العلاقات التي تنشا عن المعاملات التجارية ، بحيث يحتوي على القواعد المتعلقة بتعريف التاجر و تحديد الاعمال التجارية ، و العقود التجارية و الشركات التجارية و الاوراق التجارية .و يعالج كذلك افلاس التجار و اجراءات التسوية القضائية .
و استقل القانون التجاري عن القانون المدني نظرا لتشعب الاعمال التجارية و اتساع مجالها و عامل السرعة الواجبة في الاجراءات التجارية
و مثال ذلك : في مجال قواعد الاثبات
في المعاملات المدنية يجوز الاثبات عموما بشهادة الشهود في حدود 10000.00 دينار جزائري ،و مازاد على ذلك يجب ان يكون ثابتا بالكتابة و لا تقبل فيه بينة آخري
بينما في المعاملات التجارية يكون الاثبات جائزا بكل الطرق ايا كانت قيمة العقد التجاري سواء ان كان ذلك بسندات رسمية ، سندات عرفية ، فتورة مقبولة ، دفاتر الطرفين ...

القانون البحري :
يقصد به تلك الاحكام التي تنظم العلاقات الخاصة بالملاحة في البحار و قد كانت هذه القواعد منظمة في مجال القانون التجاري الا انها انفصلت و شكلت قانونا فاصلا ينظم النقل بالتجارة البحرية و تنظيم الملاحة البحرية و السفن و عقود عمل البحارة و سلطة قائد السفينة على افراد طاقها ..............و غيرها من الاحكام
القانون الجوي :
و هذا القانون هو حديث ، و ذلك لان استخدام الطائرة كوسيلة للنقل الاشخاص و البضائع لم يتحقق الا في بداية القرن العشرين .
و القانون الجوي هو مجموعة القواعد القانونية التي تحكم العلاقات المتولدة عن استخدام البيئة الجوية .
اذا كان القانون البحري يهتم بالسفينة ، فان القانون الجوي يهتم بالطائرة و القواعد القانونية التي تحكمها مثل صلاحيتها و تسجليها و اثبات جنسيتها و سلطة قائدتها و مسؤوليته عن نقل الاشخاص و البضائع و عقود عمل الملاحين الجويين (طاقم الطائرة ) و التصرفات القانونية التي تقع على الطائرة لا بيع و الرهن و التأجير .......
و تعتبر المعاهدات الدولية المصدر الاساسي للقانون الجوي في كل الدول :
قانون العمل :
و يتعلق هذا القانون بتنظيم العلاقات بين العمال و اصحاب الاعمال و ذلك في نطاق العمل المأور أي العمل التابع حيث يرتبط بصاحب العمل برباطة ببعية بطلق عليها التبعية القانونية يكون العامل بواجبها خاضعا لرقابة و توجيه رب العمل و ينتج عن ظهور هذا القانون انتشار الاتجاهات الاجتماعية في اعقاب القرن التاسع نتيجة التقدم الصناعي و ظهور صراع بين الطبقة البرجوازية و الطبقة العاملة ، و ظهرت النقابات التي وقفت في وجه السيطرة البرجوازية مطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية و تأثرت هذه النقابات بالأفكار الماركسية ، كل ذالك دفع الدول الصناعية الى التدخل من أجل حماية العمال من تعسف ارياب العمل ، و ذلك يوضح قواعد قانونية تكفل الحفاظ على حقوق العمال و تحقيق الكثير من المزايا مثل تأمينهم من اصابات العمل و تحديده مدة العمل القصوى و النظر على الراحة الأسبوعية و الإجازات المدفوعة ، الاجر و تقرير حد ادني للجر... و غيرها . كل هذا يحقق للعامل قدرا من الاستقرار تقيه من تعسف صاحب العمل . لأن هذه القواعد تعتبر قواعد آمرة لا يجوز مخالفتها حتى لو كان ذلك بالإتفاق .
قانون الاجراءات المدنية :
ينظم قانون الإجراءات المدنية القواعد المتعلقة بالسطلة القضائية ، حيث يبين المحاكم المختلفة و تشكيلها و إختصاصها و يدخل كل هذا فيها يسمى بالتنظيم القضائي .
كما ينظم قانون الإجراءات المدنية القواعد المختلفة بالإجراءات الواجب اتباعها في رفع و مباشرة الدعى المدنية و التجارية و تنفيذ ما يصرد فيها من أحكام ،و يدخل هذا في مجال حماية حقوق الإنسان .
القانون الدولي الخاص :
ينظم هذا الفرع في قانون العلاقات بين الأشخاص حين تشمل عنصر اجنبي ، وذلك لبيان المحكمة المختصة بالفصل فيها و القانون الواجب التطبيق بالنسبة لها .
اذن القانون الدولي الخاص يتحلى بالمنازعات التي يكون أحد أطرافها اجنبي أو كلا الطرفيين أجنبيين ، و مثال على ذلك :
ان تم زواج بين جزائري و تونسية في الجزائر ، أو أن يشتري تاجر جزائري من تاج إيطالي بضائع معينة ، أو أن يبيع جزائري لآخر عقار مملوكا له في فرنسا أو أن يصاب مواطن مغربي في حادث سيارة بالجزائر .....الخ
في كل هذه الحالات ، يتنوع النزاع حول القانون الواجب التطبيق على المسألة القانونية ، هي يطبق القاضي الوطني قانونه اأم يطبق القانون الأجنبي الذي يتبعه أحد أطراف النزاع .
بعدما تعرضنا الى مفهوم القانون و بيان انواعه ، نتطرق إلى خصائص القانون و فق ما يلي :
*/ القانون مجموعة قواعد سلوك
*/ القانون مجموعة قواعد مجردة و عامة
*/ القانون مجموعة قواعد إجتماعية
*/ القانون مجموعة قواعد ملزمة
1- القانون مجموعة قواعد سلوك :
و نقصد بذلك أن قواعد القانون قواعد تقويمية ،لما ينبغي أن يكون عليه سلوك الإفراد في المجتمع ، بمعنى أن القانون لا يصنع قواعد تقريرية لما هي عليه فعلا هذه السلوك باعتبار أن
قواعد السلوك تصنع نظاما للمجتمع .
2- القانون مجموعة قواعد مجردة و عامة :
و نقصد بذلك أن القانون يتضمن تكليفا عاما مجردا ، أي أن القاعدة القانونية لا توجه إلى شخص معين بذاته ، كما لا تتناول واقعة مجددة ، إنما هي موجهة بصيغة عامة و مجردة سواء من حيث الأشخاص فتكتفي القاعدة القانونية ببيان الشروط الواجب توفرها في من توجه اليه هذه القواعد ، او من حيث الواقع فيقتصر الأمر على بيان الشروط اللازمة في كل واقعة يعنيها القانون بقواعده
ويمكن أن توجه القاعدة القانونية الى فئة معينة مثل فئة القضاة او الاطباء او طلبة الجامعة ..الخ ، غير أن هذه الفئة تكون معينة بأوصافها لا بذواتها ، و بذلك فإن معنى العمومية و التجريب للقاعدة القانونية لا يعني أن توجه الى جميع الاشخاص في المجتمع ، بل يمكن ان توجه الى فئة معينة بأوصافها
ويمكن أن تتعلق القاعدة القانونية بشخص واحد ، غير أن هذا الشخص يكون معين بصفته لا بذاته ، و مثال على ذلك :
القاعدة او القواعد التي تتعلق برئيس الجمهورية و تحدد سلطاته و اختصاصاته أو تلك التي تتعلق بالوزير الاول فتحدد صلاحياته ...الخ كل هذه القواعد لا تحدد هذا الشخص بذاته بل بصفته
3- القانون مجموعة قواعد اجتماعية :
نقصد بالمجتمع ، ذلك المجتمع السياسي المنظم الذي يخضع أفراده لسيادة سلطة عامة تلك عليه حق الجبر و القهر هذا المجتمع السياسي المنظم هو دولة ، غير أنه قد يوجد الاقنون في مجتمع لا تتوفر فيه عناصر الدولة مادامت هناك سلطة في هذا المجتمع تلك فيه حق السيادة و الاجبار فقد لأنه المجتمع القبلي يخضع لقوانين بالرغم من أنه لم يرق الى مرتبته الاولى .

لذلك فالقانون يوجد في النجتمع ، وينظم سلوكات الأفراد و علاقتهم في المجالات المختلفة بوضع قواعد ملزمة تبين حدود حرياتهم و تحقق العدل فيما بينهم مراعية التوفيق بين مصالحم المتقارضة
4- القانون مجموعة قواعد ملزمة :
من خصائص القاعدة القانونية انها مصحوبة بجزاء يوقع على مخالفيها ، حيث أن مخالفة القواعد القانونية أمر متصور في المجتمع و هذا ما يستوجب وجود سلطة عامة في المجتمع تسيد لها مهمة كفالة احترام القانون و ذلك عن طريق توقيع الجزاء من اجل فرض احترام القانون .
و يهدف الجزاء الى الضغط على ارادة من تسول لهم انفسهم مخالفة قواعد القانون فترغمهم على الخضوع لاحكامها ان لم يطيعوها من تلقاء انفسهم .
و يتميز الجزاؤ بأنه ذو طابع مادي ملموس ، حيث يمس المخالف في ماله او شخصيته هذا ما يميز قواعد القانون عن قواعد الاخلاق التي يتمثل الجزاء فيها على تانيب الضمير.
ويرفع الجزاء من السلطة العامة التي تملك تنفيذه جبرا على المخالف باسم المجتمع .
غير انه يمكن ان يقوم الشخص المعتدي عليه بالدفاع عن نفسه في اطار ما يسمى بالدفاع الشرعي ،و هنا يعفى الشخص من المسؤولية الجنائية و كذا المسؤولية المدنية
و للجزاء صور مختلفة حيث يتخذ صورا متنوعة فكل فرع من فروع القانون له نوع من الجزاءات مثال :
1 – في مجال القانون الجنائي تكون الجزاءات متمثلة في جزاءات بدنية تمس الجسم و قد تصل الى عقوبة الاعدام بالنسبة للجرائم الخطيرة ، و قد تكون العقوبة هي السجن المؤبد او المؤقت او تكون الحبس و قد تتعلق العقوبة بالغرامات المالية او المصادرة ، و يتم ذلك بحكم من القضاء و الجنائي و بموجبه تؤول الى الدولة ملكية الاشياء المستخدمة في تنفيذ الجريمة
2 – في مجال القانون المدني : و يكون الجزاء هنا عبارة عن تعويضات مالية و يكون ذلك عن طريق الزام الشخص بدفع مبلغ من المال للشخص المضرور .
و قد يكون الجزاء يتمثل في ابطال العقد و البطلان هو الجزاء المقرر على عدم استكمال العقد لاركانه مستوفية لشروطها ... الخ .
و يمكن ان يكون الجزاء الجنائي مقترنا بالجزاء المدني كما هو المال في جريمة القتل حيث يتعرض القاتل للعقوبة الجنائية المقررة ( الاعدام او السجن ) كما يتعرف للحكم بالزامه بدفع مبلغ مالي كتعويض لورثة القتيل . و كذلك الحال في جريمة السرقة حيث يضاف الى العقوبة الجنائية المقررة الزام السارق برد الشيئ المسروق او دفع مبلغ مالي كتعويض .
علاقة القانون بالعلوم الإجتماعية الاخرى :
يرتبط القانون بكل فروع العلوم الاجتماعية ارتباطا وثيقا وذلك على اساس ان الظاهرة القانونية هي جزء لا يتجزأ من الظاهرة الاجتماعية من خلال : نتطرق الى علاقة القانون يعلم الاجتماع و علم الية و الاتقاد و علم التاريخ
1 – علاقة العلوم يعلم الاجتماع :
ان العلوم القانونية هي جزء من العلوم الاجتماعية ، و القانون ماهر الا نظام لظبط سلوكات المجتمع ، و اذا كان علم الاتماع يدرس الظاهرة الاجتماعية مثل : ظاهرة الطلاق ، ظاهرة التخلف ، ظاهرة الزواج ... الخ . كان دور القانون يمكن في تعتنين معالجات علم الاجتماع .
وتختلف القوانين و النظام باختلاف المجتمع ففي المجتمع الرأس مالي تهدف القوانين الى ضيانة رؤوس الاموال و في المجتمع الاشتراكي تسعى القوانين الى رفاهية الجماهير الشعبية و بذلك فان القوانين يجب ان تتماشى مع طبيعة المجتمع الذي يقبل هذه النظام القانونية استفادا الى ظروفه المادية و النفسية و الدينية .
2 – علاقة القانون بعلم السياسة :
يهتم علم السياسة بدراسة علم الدولة و اهدافها و المؤسسات السياسية التي تسعى الى تحقيق هذه الاهداف فاذا كانت السياسية تهتم بكل مشكل سياسي فان القانون يقدم كيفية القيام بهذا الحل و علاج ازمة الحريات عن طريق ما يسمى بالقانون الدستوري خصوصا و القانون العام عموما بحيث يجسد القانون حكم الفرد في ظل الحكم الفردي و يجسد حكم النخبة في ظل حكم المجالس و يجسد حكم الطبقة السياسية في ظل الانظمة الحزبية اذن يمكن ان يسمى بعلم هندسة السياسية .
3 – علاقة القانون بعلم الاقتصاد :

اذا كانت العلوم السياسية تهتم بالمشكل السياسي فان علم الاقتصاد يهتم بالمشكل الاقتصادي فيدرس قضايا الانتاج و قضايا السعار و التكاليف و التضخيم و نظام الصرف و التوزيع و التسويق و اشكالية العرف و الطلب ... فاذا كان دور القانون في المجال السياسي هو تعتنين حل المشكل السياسي فان دوره في مجال الاقتصاد اداة الحكم التي تملك سلطة القرار السياسي و الاقتصادي فاذا كانت اداة الحكم تسمح بملكية رسائل الانتاج للدولة فقط فان القانون يترجم هذا التصور من خلال عملية تعتنين تدخل في اطار النص على ملكية رسائل الانتاج للدولة و العكس صحيح.
4 – علاقة القانون بعلم التاريخ :
يدرس علم التاريخ الاحداث و الظواهر الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية التي تمر بها الشعوب في زمن معين و مكان معين و هذه الدراسة لها انعكاس على النظم القانونية المعاصرة ، و ذلك لان النظم القانونية السائدة داخل مجتمع هي وليدة تطور تاريخي و لهذا تدرس على مستوى ما هذا الحقوق دراسة النظم القانونية و السياسية المختلفة في الحضارات السابقة .
مفهوم فلسفة القانون :
يقصد بفلسفة القانون ذلك الجانب العلمي الذي يحتص بدراسة موقف الفلسفة من الظاهرة القانونية و شرح معانيها و مضامينها المختلفة .
لقد عالج كل مفكر فلسفة القانون وفقا لمذهب الفكري ، فالفلسفة تدرس عموميات الظاهرة القانونية في حين أن رجل القانون يهتم بتفاصيل الجزئيات فالفلسفة عند " ارسطو " هي علم العموميات . و معرفة الاصول الاولى و العلل التي تؤدي الى الأشياء ، و تعني فلسفة القانون شأن كل فلسفة بالجوانب العالمية و النواحي العامة للقانون فالفلسفة لا تقصر على مميزات قانون وطني بل تمتد الى ماهو مشترك بين الأنظمة القانونية المختلفة ، ذلك أن القانون ليس مجرد ظاهرة وطنية بل هو ظاهرة انسانية .
و من المواضيع التي تدرسها فلسفة القانون العلاقة بين القانون و القوة ، و القانون و الأخلاق ، القانون و العدل ، القانون والحرية ، القانون و السيادة ، القانون و المجتمع ، القانون العرف .
هل القانون ضروري ا م لا ؟
هناك اتجاهين متناقضين في هذه المسألة اتجاه يرى ضرورة وجود القانون ،و اتجاه آخر يرفض المفهوم القمعي لقوى القانون و النظام .
4 – الاتجاه الاول : ضرورة القانون
يرى اصحاب هذا الاتجاه أن القانون وسيلة لتحقيق الانسجام الاجتماعي عن طريق كبح مشاعر الشر لدى الانسان و انطلق البعض من مرضية أن الانسان شرير بطبعه و أن أي تقدم اجتماعي لا يمكن تحقيقه دون قانون العقوبات الزاجر و ان طلق البعض الآخر من مرضية أن الانسان طير بطبعه و لكنه يسبب الخطيئة أو الفساد أو بعض نواحي الضعف الداخلي كالشجع . تشوهت طبيعته الحقيقة الأصلية ، و لهذا اصبح من الضروري وجود نظام قانوني رادع لظبط هذه الطبيعة البشرية . ومال الذين يحبذون هذه الفرضية المتفائلة العيوب الانسانية الى العودة الى عهد ذهبي من البراءة ، البرائية حينما كان الناس يعيشون حياة بسيطة سعيدة و منظمة جيدا لم يكن الانسان فيها بحاجة الى نظام قانوني خارجي او زجزي لكبح نزواته التي كانت سليمة من عيب الانانية و موجهة نحو الخير العام للبشر .
ففيما يتعلق بالرأي الأول الذي يعتبر أن الإنسان شرير بطبعه فيجد تبريره في الصين القديمة في القرن الثالث قبل الميلاد لدى مدرسة مشهورة تسمى بـ " المشرع " حيث كانت تؤمن بأن الإنسان ذو طبيعة شريرة ، و أن الطريق الخيرة التي يسلك الإنسان ، إنما مرجعة في الغالب تأثير البيئة الإجتماعية . و خاصة تعاليم الدين و طقوسه و ظوابط قوانين العقوبات و من المبادئ التي تؤمن حقا هذه المدرسة المبدأ القاتل : " أن قانونا واحد مقترنابعقوبات شديدة لضمان تنفيذه افضل من كل كلمات الحكام لحفظ النظام ...." و في نفس الحقبة أكد كتاب الشاستر ( فكر وفلس الهندية ) أن الإنسان عاطفي بطبعه و جشع ، و أنه إذا ما ترك له الحنان فإن العالم سيتحول الى ورشة للشيطان يسود فيها " منطق السمك " أي أن الكبير يأكل الصغير .
و يرى الفقهية " يودان " أن حالة الانسان الاصلية هي حالة الفوضى و العنف و القوة و وصف " هوبز " حياة الانسان البدائي بانها حياة قائمة على العنف و القوة و انها حالة حرب مستمرة . و يرى " هيوم " أن المجتمع البشري لن يكون له وجود دون الاقنون و الحكومة و القمع و من هنا فان القانون ضرورة طبيعية للبشر .
و فيما يتعلق بالرأي الثاني : فقد قال الفيلسوف " سنيكا " ان الانسان كان ينهج بالفطرة نحو الخير ، كانت كلماته بسيطة هي السبب في الحروب و العنف ، حيث كان الانسان في البداية يعيش بسلام و سعادة و كان كل شيئ مملوكا على الشيوخ و لم تكن هناك ملكية فردية و بمرور الزمن ظهر الشجع و اخنقت البراءة ، و تمزق المجتمع ، و اضطر الناس الى خلق القوانين التي تقيدهم .
2 – الاتجاه الثاني : عدم ضرورة القانون
يرى اصحاب هذا الاتجاه ان الانسان خير بطبعه سيظل كذلك فاصحاب هذا الاتجاه يرفضون المفهوم القمعي لقوى هذا القانون و النظام و يرون ان البيئة الاجتماعية هي اساس الشرور في الوضع البشري ،و خاصة وجود نظام قانوني مفروض من الفوق ، و يرغب هؤلاد الى العودة الى الحالة البدائية ( العصر الذهبي الاول ) ، و من ايضا هذا الاتجاه الفيلسوف " افلا طون " كانت متكلفة حيث ترتكز على ماض خيالي للإنسان أكثر مما تستند الى طاقة كامنة في الانسان لتحقيق مجتمع عادل مثالي ، و فضلا عن ذلك فإن هذا المجتمع المثالي ليس محكوما بنظام قانوني مثالي بل على العكس من ذلك فهو مجتمع متحرر من اقواعد القانونية يسود فيه الانسجام العقلاني كنتيجة للدوافع الاجتماعية و الاحساس الطيب لدى اعضائه .
و قد اوضح الفيلسوف " أفلا طون " ان الصورة المثالية لهذه الدولة التي لا قانون لها ، تستقي الانسجام الداخلي فيها من العقل الانساني الذي يصل الى ارقى مستوياته في مدارج التطور بتعاقب الملوك الفلافسة الذين يتم اختيارهم بفضل حكمتهم و معرفتهم .
و قد وضع " أفلا طون " ثقته في نظام تعليم لا يربي الحكام الاكفاء فحسب بل يكيف بقية المواطنين ليكونوا مطيعين موالين .
والحقيقة أن الدراسات الحديثة تؤكد ما للتعليم من أهمية في مجال إخضاع الناس, لذلك يسمى التعليم بعملية "غسل الدماغ".
وفي نفس هذا الاتجاه دافع زعيم المدرسة الروسية الفوضوية "باكونين" على هذا المسعى, واعتبر القمع والملكية الخاصة أعداء لسعادة البشرية والرخاء العام, وشد على جدوى التعاون البشري, وأن مجرد التطور الحتمي يؤدي إلى أن يحل مبدأ التعاون محل مآسي المجتمع القمعي.
واعتبر "كارل ماركس" القانون مجرد نظام قمعي للحفاظ على امتيازات طبقة الملاك, وأن الثورة ستؤدي الى قيام مجتمع لا طبقي, وستلغى الدولة والقانون, لأن لن تكون هناك حاجة لدعم نظام قمعي , لأن القانون وفقا للنظرية الماركسية وليد الملكية الخاصة التي أنتجت الصراع الطبقي, وهذا الصراع هو الذي استلزم وجود القانون, وأنه لا تلازم بين المجتمع والقانون, وبتحقق الشيوعية تختفي الدولة التي صنعت القانون, ومن أجل بلوغ هذه المرحلة فانه تبقى الدولة ماسكة بزمام الأمور تمارس القمع بواسطة القانون كمرحلة انتقالية, وهذه هي مرحلة الاشتراكية.

من خلال كل ما سبق, يمكن القول أن القوانين ضرورية في أبسط أشكال المجتمع ففي أي مجتمع بدائي كان أو متطور من الضروري وجود قواعد وقوانين تحدد الشروط التي يستطيع الرجال والنساء أن يتزاوجوا ويتعايشوا في ظلها مثلا.
وهناك قوانين تحكم العائلة وعلاقاتها فيما بينها, وقوانين تحكم الأنشطة الاقتصادية ... أن الفكرة القائلة بأن أي مجتمع بشري على أي مستوى كان, يمكن أن يقوم على أساس أن بمقدور كل امرئ أن يعمل ما يعتقده صوابا في حالته الخاصة, فكرة خيالية لا تستحق الاعتبار. .
..
الأستاذ : موجاج مهدي
الأستاذ : موجاج مهدي
Admin

عدد المساهمات : 421
نقاط : 1221
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 05/12/2010
العمر : 35
الموقع : facebook : mehdi hypotep

https://droit-khenchela.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محاضرات في فلسفة القانون 2012 . Empty تابع

مُساهمة من طرف الأستاذ : موجاج مهدي الجمعة فبراير 03, 2012 12:52 am

المذاهب الفلسفية وفكرة القانون
يقصد بمذاهب الفلاسفة في مجال علم القانون تلك الأفكار التي طرأت في زمن معين ومكان محدد باعتبارها آراء خاصة بكل منهم فعبروا عنها وناقشوها في حوار جاد مثمر أدى إلى إثرائها والاقتناع بها .
وقد تحولت هذه الآراء إلى نظريات علمية ، ونتج عن تطبيقها في عدة مناطق وأماكن وفي أزمنة مختلفة ومتباعدة أن أصبحت مذهبا فلسفيا قابلا للتطبيق في مجتمعات أخرى .
ونتيجة لاستمرارية التفكير الإنساني قد يقوم هناك مذهب آخر يعارض المذهب السابق أو يعدله أو يضيف له مبادئ جديدة .
من خلال كل ذلك ، سنتطرق إلى هذه المذاهب والاتجاهات الفلسفية المختلفة ، بدءَ بالمذاهب الشكلية ، ثم المذاهب الموضوعية وأخيرا المذاهب المختلطة.
أولا: المذاهب الشكلية
Les Doctrines Formatistes
تهتم هذه المذاهب بالجانب الشكلي للقاعدة القانونية ، بحيث تنظر إلى القانون من خلال الشكل الذي أضفى على القانون قوة الإلزام في مواجهة أفراد المجتمع .
من خلال ذلك ، فإن المذاهب الشكلية تنظر إلى الجهة التي أصدرت القانون وأضفت عليه القوة الإلزامية ، فالقانون عندهم هو مشيئة السلطة العليا في المجتمع تصدره في أي شكل وعلى أية صورة مادام يعتبر ملزما للأفراد بطاعته واحترامه ، إن الدولة هي التي تصنع القانون وتنشئه وتلزم الآخرين بإتباعه والخضوع له ، وقد تستخدم القوة إن لزم الأمر ، وقد يكون هذا القانون تشريعا أو عرفا أو دينا منزلا .
ومن أنصار هذا المذهب الفقيه الانجليزي "أوستن" ، والفقيه الألماني "هيجل" والفقيه النمساوي "كلسن" وكذلك فقهاء "الشرح على المنون"
وقد اتفقوا من حيث المبدأ أن القانون من إرادة الحاكم واختلفوا في بعض الجزئيات .
1-مذهب "جون أوستن"
كان "جون أوستن" أستاذا للقانون بجامعة لندن في النصف الأول من القرن التاسع عشر ، يقول "أوستن" : "إن موضوع القانون هو القانون الوضعي الذي يقوم بوضعه حكام سياسيون من أجل طائفة حكومية سياسيا...".
وبذلك ، فإن أصل القانون هو إرادة الحاكم أو السلطان وحده، أي أن القانون هو مشيئة الدولة . وقد استمد "أوستن" أفكاره من نظريات الفلاسفة اليونان منذ القديم،إذ كانوا يرون أن القانون هو من فعل القوة . وقد تأثر الفقيه "أوستن" بما جاء به الفقيه الانجليز "توماس هوبز" الذي كان يقول أن القانون ليس طلبا ولا نصيحة وإنما هو أمر صادر من شخص يملك حق الطاعة إلى أشخاص من هم أفراد المجتمع عليهم واجب الطاعة .
إذن خلاصة مذهب "أوستن" هي أن الدولة تقوم بوضع القانون وتعمل على كفالة احترامه جبرا على الأفراد باعتبارها صاحبة السيادة والسلطة ، فالقانون لا يقوم إلا في ظل مجتمع سياسي ، وأن يصدر في شكل أوامر و تكاليف وأن يقترن الأمر أو التكليف بتوقيع الجزاء عند مخالفته .
أ)- معنى القانون لا يقوم إلا في مجتمع سياسي :
يقوم المجتمع السياسي في تنظيمه على وجود طبقتين :
- الطبقة الأولى تتمثل في الطبقة الحاكمة التي بيدها السلطة ، ولها حق الأمر والنهي ، وقد يكون الحاكم فردا أو هيئة أو نظام سياسي ديمقراطي أو استبدادي ، ملكية أم جمهورية ، مطلقة أم مقيدة . وهذه الهيئة هي التي تتولى وحدها تنظيم العلاقات الاجتماعية عن طريق إصدار القوانين .
- الطبقة الثانية تتمثل في الطبقة المحكومة ، ويقتصر دورها على تطبيق الأوامر أو النهي الصادر عن الهيئة الحكام التي تتولى أيضا توقيع الجزاء على كل مخالف لهذه القوانين . من خلال ذلك ، فإن مذهب "أوستن" يقوم على أساس أن تكون القوانين صادرة من الحاكم ، وأن أية أوامر لا تصدر عن هذا المصدر لا تعد بمثابة الأمر القانوني العام ، وبذلك فإن أي تكليف يصدر عن غير هذه الجهة لا يكون له صفة الأمر الملزم .
ب)- معنى وجود أوامر و تكاليف :
نقصد بوجود أوامر وتكاليف أن القانون ليس مجرد نصيحة يقدمها الحاكم للمحكومين ، بل هو أمر ونهي يصدر من السلطة الحاكمة إلى المحكومين الذين يجب عليهم الطاعة.
إن "أوستن" آمن بأن القانون هو أمر أو نهي أو تكليف الهيئة الحاكمة ، وكل مخالف له يتعرض للجزاء المنصوص عليه . وهذا الجزاء تنفرد بتوقيعه سلطة عامة مختصة .
ج)- معنى توقيع الجزاء عند مخالفة القانون :
وقد يتبادر إلى الذهن أن الجزاء المقصود به هو الجزاء العقابي أو الجنائي ، سواء تمثلت العقوبة في الإعدام أو وقعت على الحرية بالسلب أو التقييد ، أو كانت العقوبة تتمثل في الغرامة المالية، غير أن الجزاء ليس كله جنائيا بل قد يكون مدنيا ، مثال ذلك : بطلان العقود ، أو التصرفات المبرمة عند مخالفتها للقانون ، وقد يجتمع الجزاء الجنائي والمدني كما في حالة جريمة القتل أو السرقة أو في جريمة القذف ....الخ .
وعموما ، فإن للجزاء معنى أوسع مما هو معروف ، فالجزاء القانوني هو كل إجراء قسري يحاول القانون بواسطته فرض إرادته كملاذ أو حل أخير على المعتدي الذي يرفض الامتثال لأمر قانوني أو قضائي .
وقد أنكر الفقيه "أوستن" تسمية القانون على القانون الدستوري باعتباره مجرد قيود فرضتها الدولة على نفسها . كما أنكر على قواعد القانون الدولي العام صفتها القانونية باعتباره مجرد قواعد مجاملات أو واجبات أدبية تراعيها الدول فيما بينها .
ففي مجال إنكاره صفة القانون على القانون الدستوري يرى "أوستن" أن القانون الدستوري هو وضع قيود على سلطة الحاكم،والحاكم لا يمكن أن يخضع لسلطة أعلى ، فهو إذا نظم علاقته بالأفراد والتزم ببعض القيود ، فإنما يفعل ذلك باختياره ، حيث يستطيع أن يستبدلها عندما يحلو له ذلك وفي أي وقت كان ، أو بإمكانه أن يتخلص منها تماما وبصفة نهائية . وبذلك فقواعد القانون الدستوري تظل دون جزاء ، وبذلك فهي لا تنفذ جبرا و قهرا.
ومن ثمّ، فقواعد القانون الدستوري تفقد صفة القانون بالمعنى الصحيح للكلمة ، فالحاكم إذا خالف قواعد الدستور لا يعقل أن يوقع الجزاء على نفسه .
وفي مجال القانون الدولي العام، ينكر"أوستن" صفة القانون على قواعده ، فهو يرى أنه مادامت كل الدول متساوية في الحقوق و السيادة ، وأن المجتمع الدولي يفتقد إلى هيئة تملك القوة أو الشرعية تجيز لها إصدار القوانين ، أو فرض ما تصدره من أوامر ونهي لجميع الدول أو أداة جبر وقهر لتطبيق هذه القوانين على الدول المخلة بذلك .
وهكذا ، فإن الفقيه "أوستن" يرى أن تخلف عنصري الأمر والنهي وكذا الجزاء معناه إنكار صفة القانون .
بالإضافة إلى كل ذلك ، فإن "أوستن" ينكر "العرف" كمصدر من مصادر القانون ، ويعتبر التشريع المصدر الوحيد للقواعد القانونية .فالعرف لا يعدو أن يكون مجرد بديل بدائي للقانون والذي يعبر عن طابع من الأنظمة القانونية تختلف عن المعايير التي تمت في ظل المجتمعات القديمة .
نقد مذهب "أوستن":
1- يخلط "أوستن" بين القانون والدولة،حيث يقول أن القانون لا يوجد إلا في مجتمع سياسي منظم ، غير أن الحقائق التاريخية تبين عكس ذلك ، حيث يعتبر القانون ظاهرة اجتماعية قبل أن تكون ظاهرة سياسية أو وضعية ، فقد نشأ المجتمع في صورته البدائية في صورة أعراف قبل أن يصبح المجتمع مجتمعا سياسيا .
2- يخلط "أوستن" بين القانون والقوة ، حيث يجعل القانون والقوة رهنا بإرادة الحاكم ، وتصبح إرادة الحاكم هي القانون ، ويكون الحكم للقوة والحاكم يفرض ما يشاء على الأفراد استنادا إلى إرادته . غير أنه من المفروض أن الحاكم يكون في خدمة القانون و التقيّد بنصوصه ، وكفالة احترامه بالقوة إن لزم الأمر .

3- جعل القانون يعتمد على التشريع وحده ، فلا نكون أمام قاعدة قانونية إلا إذا كانت صادرة من الحاكم ، إلا أن الواقع يثبت وجود مصادر أخرى للقانون مثل العرف الذي كان المصدر الأول للقانون في السابق .ومازال يمثل الأساس في بعض الأنظمة القانونية خاصة في مجال القانون التجاري كما هو الحال في انكلترا .
4- أنكر "أوستن" صفة القانون على القانون الدولي العام،على أساس عدم وجود سلطة في المجتمع الدولي تفرض احترام قواعد هذا القانون في حالة ما إذا قامت إحدى الدول بعدم احترام ذلك . إلا أن ذلك ينقص الكثير من الواقعية ، فغالبية الفقه يرى أن القانون الدولي هو قانون بالمعنى الصحيح للكلمة ، ويتوفر له عنصر الإلزام الذي تملكه "الأمم المتحدة" بمنظماتها المختلفة ، وجمعيتها العامة ، ومجلس الأمن الدولي ، ومحكمة العدل الدولية ، والواقع يثبت أن الأمم المتحدة قد تدخلت في الكثير من النزاعات المسلحة . إلا أن ما تجدر ملاحظته الفعالية مرتبطة بموازين القوى في المجتمع الدولي .
بالإضافة إلى كل ذلك ، يمكن القول أن المعاهدات الدولية التي تبرمها الدول تكفل الاستقرار الدولي.
5- يرى "أوستن" أن القانون الدستوري لا يعتبر قانونا بالمعنى الحقيقي للكلمة ، وذلك لتخلف عنصر الجزاء ، غير أن الواقع يثبت غير ذلك ، فالمسلم به حاليا هو أن الأمة هي التي تنصب الحاكم حاكما ، وبالتالي لها حق توقيع الجزاء عليه إذا خالف الدستور .
6- إن الأخذ بهذه النظرية يؤدي إلى الاستبداد والدكتاتورية واعتبارهما مصدر للقاعدة القانونية .
مذهب الشرح على المنون
(مدرسة تفسير النصوص)
-L’école de l’exégèse-
تكونت هذه المدرسة في فرنسا عقب وضع تقنياتها في مطلع القرن التاسع عشر ، حيث بدأ الشراح ينظرون إلى تلك التقنيات نظرة تقديس ، ويعتبرونها كاملة مشتملة على كل القانون ، وبذلك قصروا اهتمامهم على دراسة نصوصها متنا متنا ، بل تقيدوا في شرح القانون وعرض موضوعاته المختلفة بترتيب نصوص القانون وأرقام مواده ، وبذلك عرفت هذه المدرسة باسم مدرسة الشرح على المنون أو مدرسة التزام النص .
وقد بلغت هذه المدرسة أوج عظمتها في فرنسا خلال القرن التاسع عشر . تأسست سنة 1808 على يد : "ديلفانكرو" و "برودون" ، و "توليه" ......
ويرى فقهاء هذه المدرسة ، أن التشريع هو المصدر الوحيد للقانون ، وأن دور الفقيه يقتصر على تفسير نصوص التشريع ، واستخلاص الأحكام منه ، وعند تفسير الفقيه للنص يتعين عليه أن يبحث عن إرادة المشرع وقت وضعه للنصوص لا عند تطبيقها ، حتى ولو تغيرت الظروف الاجتماعية بعد ذلك . وإرادة المشرع إما أن تكون حقيقية وإما أن تكون مفترضة.
فإذا كان النص واضحا في صيغته ولا خفاء في معناه ، فيستدل على الإرادة الحقيقية من واقع النص ذاته ومعاني ألفاظه ومفرداته مع إعمال قواعد اللغة . مما يكاد يقتصر معه دور المفسر على التطبيق الآلي للنص ، إذ كما يقولون "لا اجتهاد في مورد النص".
وإذا لم يوجد نص كحالة معينة ، وجب البحث عن الإرادة المفترضة للمشرع فيما يتعلق بهذه الحالة وقت وضع التشريع . أي إرادته التي نفترض أنه كان يقول بها وقت وضع التشريع لو أنه أراد وضع قاعدة للمسألة المعروضة والتي لم يوضع لها نص يضمنها .
فالعبرة إذن لدى هذه المدرسة بإرادة المشرع عند وضع النص سوى أكانت هذه الإرادة حقيقية أم مفترضة .
- وإذا كان لمذهب هذه المدرسة مزاياه في أنه يمنع تحكم القضاة ويكفل استقرار معنى التشريع وثباته ، إلا أنه يعاب عليه أنه يؤدي إلى جمود القانون وعرقلة تطوره وحصره في نطاق إرادة المشرع وقت وضع النصوص حتى ولو تغيرت الظروف الاجتماعية تغيرا كبيرا وقت تطبيق نص القانون وتفسيره عما كانت عليه وقت وضعه .
- مذهب الشرح على المنون يعتبر التشريع هو المصدر الوحيد للقانون وهذا غير صحيح .
- ومنهج الشرح على المنون يؤدي هو الآخر إلى فكرة الاستبداد والقهر ، والدكتاتورية ، وإهمال إرادة الأمة .
مذهب هيــــــــــــــــــغل (فريدريش)
انتشرت الهيجلية انتشارا واسعا ، حتى أوشكت أن تصبح العقيدة الرسمية للدولة ، ففي المجال القانوني ، يرى هيغل أن الدولة سيدة نفسها في الداخل ، فكل من يدخل في تكوين الدولة في الداخل يخضع لها ، وأن المجتمع لا يصل إلى مرتبة الدولة إلا إذا رأى جميع الأفراد في المجتمع أن ثمة مصلحة عامة مشتركة يجب أن تتجه إرادتهم إلى تحقيقها ، فتتحدد إرادتهم وحرياتهم بهذه المصلحة فتتجلى فيها ، وهذا ما يطلق عليه وحدة الإرادات الفردية ، فالدولة في مفهوم هيغل تجسد إرادة الإنسان وحريته ، إن حرية الإنسان الحقيقية لا تتحقق إلا باندماجه في الدولة ، وهنا يخضع كل الأفراد خضوعا تاما للدولة التي يتحقق كيانها على إرادات الأفراد العامة ، وعند هيغل السيادة واحدة لا تتجزأ تذوب فيها كل الاعتبارات و وجهات النظر . وهذه السيادة تتجسد في شخص واحد هو صاحب السلطة في الدولة ، وإرادته في القانون الواجب التطبيق وذلك لأنه يملك القوة لفرض إرادته .

ويرى هيغل من جهة أخرى أن الدولة سيدة نفسها في الخارج
وعنده أنه لا توجد سلطة أعلى من سلطة الدولة ، فالدولة سيدة نفسها ، والدول جميعها متساوية في السيادة ، وبالتالي لا توجد سلطة دولية تقوم بتنظيم العلاقات بين الدول أو تقوم بحل النزاعات بينها ، وهكذا تكون الحرب هي الوسيلة الوحيدة لتنفيذ سياسة الدولة وإرادتها ، والغلبة تكون للأقوى ، الذي يستطيع فرض إرادته بالقوة .
وتعتبر الحرب عند "هيغل" نوع من القضاء الإلهي ، فالحرب هي عادلة ومشروعة ، وتنتهي لصالح الدولة القوية ، والدولة القوية هي التي تسيطر على العلاقات الدولية وتبقى هكذا حتى قيام دولة أخرى التي تنتقل إليها السيطرة على العلاقات الدولية .
إن هذا المذهب قد وضع الأساس للعديد من النظم الشمولية مثل الفاشية والنازية .
نقد مذهب ديغول :
1- يؤدي هذا المذهب إلى تكريس الدكتاتورية ، كما أنه يعبر عن نزعة متطرفة تدعو الشعب الألماني للسيطرة عالميا ... وهي فكرة المجال الحيوي التي طورتها النازية .
2- يوحد هيغل بين إرادة الحاكم وبين القانون ، وهذا غير منطقي ، فهذا يؤدي إلى السيطرة والاستبداد.
3- ينكر هيغل حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية ويعتبر الحرب هي الوسيلة المشروعة في علاقات الدول فيما بينها .
مذهب كلسن
يعتبر مذهب كلسن أحد المذاهب الشكلية ، وقد اهتمت بالشكل حتى سميت بمدرسة القانون البحت أو القانون الصافي باعتبار أنها تفصل بين الشكل والمضمون ، وتقصر دراسة القانون على أساس الشكل وحده ، وبذلك أصبح علم القانون كعلم الرياضيات أو الهندسة معتمدا على المنطق ، أي الامتناع التقييم والالتجاء إلى التجريد ، بحيث يجب على الباحث أن يتجنب مضمونه من حيث العدل والظلم . وكذلك التخلص من النزعة في فحص الظروف الواقعية للحياة أو إلى ربط القانون بالسياسة ، فهي العناصر لا صلة لها بعلم القانون .
يرى كلسن أنه يجب استبعاد العناصر غير القانونية أو أية عناصر تقييميه. فالعدالة مثلا : مفهوم مثالي قيمي فهي مفهوم نسجي متغير في الزمان والمكان، ويرى كلسن أنه إذا لزم الأمر إعطاء معنى محدد لها ، فهي عنده مرادفة لـ"السّلام" ، ويرى كلسن أن "أي نظام عادل ولو كان قائما على الاستغلال ، مادام يستطيع حفظ النظام والأمن"،وبذلك فإن كلسن وأصحاب النظرية القانونية الصرفة يرون أن قواعد القانون الوضعي واجبة الطاعة حيث أن النفع العائد عن الطاعة أكبر من الضرر الناتج عن العصيان .
ويرى كلسن أن القانون هو الدولة و الدولة هي القانون ، فهو يدمج الدولة والقانون دمجا تاما ، فهو لا يرى أن الدولة تصنع القانون فحسب بل هي القانون ذاته وبذلك فالدولة ليست شخصا معنويا ، وإنما هي مجموعة قواعد قانونية هرمية إلى أن نصل أعلى قاعدة قانونية وهي الدستور أو القاعدية الأساسية التي تعتمد عليها بقية القواعد القانونية الأخرى .
ففي مجل العقود مثلا ، ينشئ العقد ضوابط قانونية بين طرفيه ، ومصدر هذه الضوابط أو الالتزام هو العقد يستمد قوته من التشريع الذي يقضي بأن "العقد شريعة المتعاقدين" ، والتشريع يستمد قوته من الدستور الذي يعطي للسلطة التشريعية حق إصدار النصوص القانونية .
وفي مجال النشاط الاداري ، شرطي المرور هو يؤدي عمله ضابطا قانونيا فرديا ، وهنا يستمد الشرطي قوته من القانون ، وهذا الأخير يستمد قوته من الدستور .
وهكذا ، فإن وحدة القانون والدولة لدى "كلسن" يعتبر شكلا واحدا ، ولذلك فالدولة على أنها تجمع بشري مقيم على أرض وخاضع لنظام قانوني معين ، وما يميز الدولة كظاهرة مستقلة هو التنظيم القانوني.

نقد:
1- يقول كلسن أن هناك تدرج هرمي في القواعد القانونية فالقرار يستند إلى النظام ، والنظام يستند إلى التشريع والتشريع يستند إلى الدستور ، والسؤال المطروح: إلى ماذا يستند الدستور ؟ . يقول كلسن أنه القاعدة الأساسية أو المعيار الأساسي .
2- إن القول بأن القانون هو الدولة لا يستند إلى أساس واقعي ، فالدولة مستقلة عن القانون، وهذا معمول به في كل النظم القانونية ، فالدولة هي التي تضع القانون ، وبذلك فهي ليست القانون في حد ذاته ، لذلك وجدت الدساتير لتقيد سلطة الدولة والتزامها باحترام المؤسسات والحقوق والحريات .
3- مذهب كلسن لا يعترف لكل العناصر غير القانونية وتأثيرها في القانون كغيره من أصحاب المدارس الشكلية إنما القاعدة القانونية هي قبل كل شيء قاعدة اجتماعية .
المذاهب الموضوعية
إذا كانت المذاهب الشكلية تهتم بالجانب الشكلي الذي ظهرت فيه القاعدة القانونية ، فإن المذاهب الموضوعية تنظر إلى جوهر القانون و موضعه، وذلك عن طريق تحليله من الناحية الفلسفية والاجتماعية للتعرف على طبيعة وكيفية نشأته .
وظهرت في هذا الإطار اختلافات ، فالبعض اتجه نحو المثل العليا في تكوين القاعدة القانونية والعدالة الإنسانية كأساس للقانون وهو ما يطلق عليه بالاتجاه المثالي ، في حين اتجه البعض الآخر إلى النظر نحو الحقائق الواقعية الملموسة التي تسجلها المشاهدات والتجارب العلمية وهو ما يعلق عليه بالاتجاه الواقعي .
أولا: الاتجاه المثالي :
سنقوم في هذا الإطار بدراسة نظرية العقد الاجتماعي لأنها تعتبر أهم النظريات المثالية .

- نظرية العقد الاجتماعي :
تعود فكرة العقد الاجتماعي إلى الفكر الإغريقي حيث ذكرها (أفلاطون) في كتابه "الجمهورية" قائلا : ((عندما يتصرف الناس بمحض نزواتهم فيتعدى الواحد منهم على الآخر ، ويذوق الجميع مرارة الظلم والقهر ، يتفق الكل بأن الطريقة الوحيدة لحسم النزاعات القائمة وضمان الأمن والسلامة للجميع تكمن في عقد اتفاق اجتماعي يميز بين الأعمال الإجرامية فيمنعها والأعمال الخيرية فينشرها )) .
وقد عرفت فكرة العقد الاجتماعي رواجا كبيرا في أواخر القرن السادس عشر،وأقبل عليها المفكرون ورجال القانون فألفوا منها صيغا ونماذج اجتماعية تهدف كلها إلى تنظيم المجتمع وهيكلته من الناحية السياسية والقانونية .
وتفترض نظرية العقد الاجتماعي أن الأفراد كانوا يعيشون على الفطرة لا يخضع أي منهم لأية ضوابط معينة ، وأن ظهور الدولة بما لها من قوة وسيادة يرجع إلى عقد أو اتفاق أبرمه هؤلاء الأفراد فاستبدلوا بذلك القانون الطبيعي الذي كان ينظم حالتهم الطبيعية بقانون بشري تنتج عنه ظهور حقوق مدنية وسياسية .
ويعتبر من أهم أصار هذه النظرية الفلاسفة :
توماس هوبز ، و جون لوك ، و جان جاك روسو .
1-نظرية العقد الاجتماعي عند توماس هوبز:
يعتبر هوبز من أنصار الملكية المستبدة ، وهو ينظر إلى المجتمع على أنه مجتمع ذئاب مفترسة ينهش بعضها البعض ويفترس القوي فيها الضعيف .
وبذلك فإن هوبز يبدأ تفكيره بأن المصلحة الذاتية هي محرك السلوك الإنساني ، فالإنسان كائن أناني يسعى بكل الطرق إلى تحقيق مصالحه ونزواته قبل كل شيء ، وبالتالي فإنه "هوبز" يرى أن الحالة الطبيعية هي حالة حرب عارمة يتحارب فيها الكل ضد الكل ، ويكون "قانون الغاب" هو مسيطر على حياة الأفراد .
ومن أجل وضع حد لهذه الحالة الفوضوية بدأ الإنسان يبحث عن الوسيلة التي تمكنه من الخروج من تلك الوضعية إلى وضعية جديدة يسودها الأمن والاستقرار والسلم ،فاهتدى إلى فكرة العقد الذي بموجبه يتنازل الأفراد عن كل حقوقهم وحرياتهم لشخص غير طرف في العقد يختارونه من بينهم دون شروط ولكي يتمكن هذا الشخص من ممارسة سلطاته ويضمن الأمن والاستقرار ويجب أن يتمتع بسلطة لا تقاوم (سلطة مطلقة) ، فلا يحق بالتالي للشعب أن يثور ضد هذا الحاكم لأن إطلاق سلطته أرحم للشعب من العودة إلى حياة الفوضى .
واستنادا إلى هذا الاتفاق نشأت السلطة السياسية والدولة .
نقد :
ما يؤخذ على الفيلسوف "هوبز" هو إطلاقه لسلطة الملك من جهة ، والخلط بين الدولة و الحكومة من جهة أخرى ، لأنه يطالب بمنح السيادة للحاكم ، وهذا يعني أن السلطة في يد الحاكم وليست في يد الدولة التي تفوضها له ، وبالتالي فإن تغير الحاكم يؤدي إلى زوال الدولة .
2-نظرية العقد السياسي عند "جون لوك" :
ينطلق الفيلسوف "جون لوك" من أن حياة البشر كانت تقوم على المساواة والسلام والحرية ، وهي حياة الفطرة ، غير أنهم أرادوا إنشاء مجتمع أكثر تنظيما وتحديدا للحقوق والحريات ، وإنشاء هيئة تقوم بتنفيذ القانون الطبيعي ، فقرروا إبرام عقد فيما بينهم يؤدي إلى ظهور سلطة تكون مهمتها تحقيق العدالة ، إذن مبرر وأساس قيام الدولة عند "لوك" هو الرضا لا غير .
ويرى "جون لوك" أن أطراف العقد اثنان ، الأفراد والحاكم المختار من قبلهم ، ومن ثمة تكون سلطته مقيدة بما اتفق عليه أثناء التعاقد ، وفضلا عن ذلك فإن "لوك" يرى أن الأفراد لم يتنازلوا عن إبرام العقد عن جميع حقوقهم وإنما عن الجزء الضروري منها لاقامة السلطة والدولة بما يكفل احترام حقوق الأفراد وحمايتها .
وعلى الحاكم أن يسخر كل جهوده لتحقيق الصالح العام واحترام حقوق الأفراد الخاصة ومن بينها حق الملكية ، وفي حالة إخلاله بالتزاماته فإنه يحق للأفراد فسخ العقد وتنحيته ، بل أنه يحق للشعب أن يثور ضده إذا حاول مقاومة إرادة الشعب التي تمثل السلطة العليا في الدولة .

إن معنى الطغيان عند "جون لوك" هو ممارسة السلطة تخطيا لحدود الحق وليس لأحد أن يفعل ذلك ، كأن يمارس الحاكم السلطة لا لمصلحة الخاضعين لها ، بل لمصلحته الشخصية فالحاكم أيَا كان اسمه ، إذا لم يتبع القانون ، وإذا كانت أوامره وأفعاله غير موجهة إلى حماية أملاك الشعب ، جازت مقاومته كطاغية كما يقاوم أي شخص يعتدي على غيره ، وكما يواجه للصوص و السّارقين في الطريق ...
نقد :
أول ما نقوله إلى أنصار هذا الاتجاه هو أن العقود السياسية تقع بشكل عرضي ، وغالبا ما تكون من أجل إقامة نظم سياسية جديدة في إطار دولة سابقة في أجل خلق دولة جديدة .
3-نظرية العقد الاجتماعي عند "جان جاك روسو" :
يرى "جان جاك روسو" في كتابة "أصل عدم المساواة بين الناس" أن حياة الأفراد الطبيعية البدائية كانت تتميز بالعدالة الطبيعية والمساواة والحرية ، إلا أنه نتيجة اكتشاف الزراعة والاختراعات ظهرت الملكية الفردية التي نتجت بسببها فوارق بين الأفراد فانهارت المساواة وتحولت حياتهم إلى مأساة وشقاء وازدادت بذلك الحروب والخلافات بسبب التنافس على الثروة ، مما دفع الأغنياء إلى البحث عن وسيلة تكفل لهم القضاء على هذه الوضعيات فاستمالوا الفقراء من أجل إقامة مجتمع العقد يبرم بينهم للمحافظة على أموالهم والقضاء على الحروب بحيث يتنازل كل فرد عن جميع حقوقه الطبيعية للجماعة كلها .
ويبيّن "روسو" كيفية إبرام العقد حيث يرى أن الأفراد يبرمونه مع أنفسهم بصفتهم أفراد منفصلين عن بعضهم ، وباعتبارهم أفراد متحدين في الجماعة السياسية التي يرغبون في إقامتها . ويعني ذلك أن روسو يتصور الجماعة كأنها تكونت فعلا فيدخلها كطرف في العقد مع الأفراد يتنازل لها هؤلاء عن جميع حقوقهم وحرياتهم الطبيعية مقابل الحصول على حقوق وحريات مدنية تقررها الجماعة للأفراد .
وينتج عن هذا العقد أمران أساسيان ، أولهما أن الأفراد متساوون من جهة الحقوق والواجبات ، وأن الجماعة المستقلة عنهم تتمتع بالسيادة الكاملة والسلطة المطلقة من جهة ثانية . وبذلك فلا تعارض بين إطلاق سلطة الجماعة المجردة وبين حريات الأفراد لأن إصدارها لقانون من أجل تحقيق الصالح العام يكون تعبيرا عن الإرادات الجزئية للأفراد . مما يستبعد فكرة صدور قانون لا يتماشى وحرياتهم وحقوقهم .
نقد :
- لقد عيب على أصحاب هذه النظرية أنهم أقاموا هذه النظرية على الخيال ، فلم يثبت تاريخيا بأنه وقع اجتماع بين الناس أبرموا أثناءه عقدا فيما بينهم لإقامة مجتمع سياسي .
- إن إبرام العقد لإقامة نظام معيّن ، يتطلب وجود جماعة منظمة لأن العقد لا ينتج آثاره إلا إذا كانت هناك نصوص تحدد حقوق وواجبات الطرفين .
- إنّ العقد يفتقد للطابع القانوني إلا إذا كان هناك نظام سابق عليه.
- إن فكرةالتاريخي.ل الوظيفة التشريعية لا تخلو من عيوب . حيث نجده يطالب لإصدار قانون الحصول على جميع الأصوات وهذا يعد من الأمور المستحيلة لذلك تطرح مسألة مدى قوة وإلزامية هذه الإرادة العامة إذا وجدت أقلية معارضة (وهذه يجب أن تكون).

المدرسة الواقعية :
تنظر هذه المدرسة إلى القانون من خلال النظرة الواقعية ، بحيث تعتبر القانون عبارة عن علم اجتماع واقعي يقوم على الملاحظة والتجربة ، وهذا بخلاف ما تنظر له المدرسة المثالية ، التي تعتمد في أصلا القانون إلى أساس ميتافيزيقي .
تعتمد الفلسفة الواقعية على العالم المحسوس الذي يرتبط بالمشاهدة والتجربة ، ومن ثم فهي تعارض ما تذهب إليه الفلسفة المثالية التي تنكر الملموس ، وتتجه إلى العالم الميتافيزيقي .
ومن أهم الاتجاهات الواقعية :
- المذهب التاريخي .
- مذهب التضامن الاجتماعي .
- المذهب الفردي والمذهب الاشتراكي .
المذهب التاريخي :
يسمى هذا المذهب كذلك بمذهب التطور التاريخي ، وقد ظهرت بوارده منذ القرن الثامن عشر في فرنسا ، ومن أنصاره الفقيه "مونتسكيو" وأشهر كتبه "رمح القوانين" الذي صدر سنة 1748.
وقد ظهر هذا الكتاب في وقت مازال الملوك يعتبرون أنفسهم أنهم ظل الله في الأرض ، وكانوا يمسكون بزمام الحكم بقبضة من حديد .
وقد كان الفقيه "مونتسكيو" حريصا على ضرورة القضاء على السلطة الفردية المتسلطة ومنع التعسف في استعمال السلطة ، ونتيجة لذلك فقد دعا إلى الأخذ بمبدأ دستور شهير عرف بـ"مبدأ الفصل بين السلطات".
يتمثل "مبدأ الفصل بين السلطات" في أن هناك حدود لا يجب أن يتعداها الإنسان حتى لا يصطدم بحدود سلطة أخرى ، ومن أجل وضع حد ومنع التعدي على حدود السلطات الأخرى ومنع الإساءة و التعسف ، ومن أجل المحافظة على عدم انهيار الحريات العامة ، فإن "مونتسكيو" يرى ضرورة توزيع السلطة بين ثلاث هيئات هي :
- الهيئة التشريعية
- الهيئة التنفيذية
- الهيئة القضائية
لكن كيف تتحقق الحرية إذا اجتمعت هذه السلطات في يد شخص واحد أو هيئة حكومية واحدة ، في هذه الحالة ستكون بصدد حالة استبداد وتسلط .
ومن جهة أخرى ، انعكس تفكير الفقيه "مونتسكيو" على تفسير أصل القانون حيث يعتقد أن الظروف الاجتماعية لا تأثر في نشوء القواعد القانونية ، فهو يرى بأن قوانين كل بلد تتأثر بطبيعة هذا البلد ، وبجّوه البارد أو الحار أو المعتدل ، وهي تتأثر كذلك بمركز البلد وبطبيعة أرضه ومدى ما وصل إليه من تقدم ، وتطور ونوع الحياة فيه .
وبذلك ، فإن الأخذ بمبدأ الفص بين السلطات حسب "مونتسكيو" يضمن ممارسة واحترام الحقوق والحريات الفردية على أن توزع تلك السلطات الثلاث، فتكون السلطة التشريعية بيد الشعب أو ممثليه ، وتكون السلطة التنفيذية بيد ملك قوي ، وتكون السلطة القضائية بيد هيئة مستقلة .
وقد عبر الفقيه "بورتاليس" عن مبدأ آخر وهو (أن القانون يوحد ويتطور آليا مع تقدم الأمن دون تدخل من الإدارة الإنسانية ومقولته المأثورة في هذا الشأن .. تتكون تقنيات الشعوب مع الزمن ، فهي في الحق لا تصنع ...).
ومن أنصار المذهب التاريخي كذلك الفقيه "سافيني" ، حيث نادى بضرورة إتباع هذا النهج وذلك بمناسبة اعتراضه على الدعوى إلى تقنيين القانون الألماني .
ومن الحجج التي استند إليها "سافيني" في ذلك هو اعتماده على أن القانون ينشأ في ضمير الشعب ، وينبع من روح الشعب ، ويتطور تلقائيا تبعا لهذه الروح ، فالقانون عند "سافيني" كاللغة يتكون بطريقة تدريجية غير محسوسة مستندا إلى الاقتناع في الشعب ، ثم ينتقل القانون إلى مرحلة متقدمة من التطور فيتخطّى وعي الشعب ليتركز بيد العلماء .
من خلال كل ذلك ، يمكن القول أن مراحل القانون – حسب رأي سافيني – عبارة عن قوى داخلية تعمل في هدوء بعيدة عن التدخل الحكومي ، وأن القيام بندوة في تقنين معناه عرقلة سيره وتطويره.
وللمذهب التاريخي مجموعة من الأسس نذكر منها :
1-إنكار وجود القانون الطبيعي : يعتمد منطق المذهب التاريخي على رفض وجود القانون الطبيعي ، لأن هذا الأخير جامد ، في حين أن القانون متغير ويتطور وفقا لحاجات كل أمة وظروفها .
فالقانون إذن عبارة عن عادات تنمو داخل المجتمع وتتطور حيث تترسخ في المجتمع .
2- القانون وليد حاجة الجماعة :
يرى أنصار المذهب التاريخي أن القانون وليد الزمن أي من صنع الزمن ونتاج والتاريخ, فهو وليد حاجة الجماعة وما يتفاعل مع وحداتها من عوامل, ومن ثم فانه يتغير ويتطور حسب ظروف كل مجتمع, وهو يختلف من دولة إلى أخرى, بل ويغير في الدولة نفسها من جيل إلى آخر حسب تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية, وان الجماعة لا يحدها زمن معين أو جيل معين بل هي كالسلسلة تتدرج في حلقاتها الأجيال وتتعاقب على مرار زمن فيرتبط فيها الحاضر بالماضي, ويمهد الحاضر للمستقبل, وبذلك فان القانون هو ثمرة التطور التاريخي, وليس ثمرة جيل من أجيال الجماعة .
3- القانون يتكون ويتطور آليا :
وفقا للمذهب التاريخي فان القانون يتطور في تفاعل مستمر في الضمير الجماعي لكل أمة, وهو بذلك يتكون تكوينا ذاتيا آليا لا تخلقه اراده إنسانية أو تحوله عن طريقه المرسوم .
من خلال كل ذلك , يمكن القول أن المذهب التاريخي في أصل القانون قد ساهم بشكل كبير في الدور الاجتماعي للقانون وصفته الاجتماعية, وكشف عن الارتباط الواضح بين القانون والبيئة التي ينشأ فيها .
ورغم ذلك, فأن المذهب التاريخي قد بالغ من ربط القانون بالجماعة, وبالتالي فان ذلك يجعله ينكر الدور العقل الإنساني وقدرته في تكوين القانون , فقد يصدر المشرع قوانين يراها نافعة وفي خدمة المجتمع دون أن يتقيد بالظروف الاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك فان المذهب التاريخي قد بالغ في اعتبار القانون وليد البيئة, والظروف الخاصة بكل مجتمع ، في حين نجد أن الكثير من الدول قد اقتبست قوانينها كلها أو في جزء منها من قوانين دول أخرى تختلف عليها من حيث الظروف والبيئة الجغرافية ومع ذلك نلاحظ نجاعة هذه القوانين ونفعيتها كما أن النظرة إلى الفرق باعتباره الشكل الأمثل الذي يصدر به القانون ، فإن صحة هذه النظرة في عصور الإنسانية الأولى حيث يكاد يتكون القانون تكوينا أليا فهي لا تصدق اليوم بشأن المجتمعات الحديثة التي تعددت فيها حاجات المجتمع وتعارضت مصالحهم الأمر الذي يتطلب تدخل الإرادة الواعية في اختيار أحسن الوسائل لتحقيق الغاية منه ، وهذا يكون بالضرورة عن طريق التشريع . .
...
الأستاذ : موجاج مهدي
الأستاذ : موجاج مهدي
Admin

عدد المساهمات : 421
نقاط : 1221
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 05/12/2010
العمر : 35
الموقع : facebook : mehdi hypotep

https://droit-khenchela.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محاضرات في فلسفة القانون 2012 . Empty تابع

مُساهمة من طرف الأستاذ : موجاج مهدي الجمعة فبراير 03, 2012 12:55 am

أما مسألة اعتبار أن تقنيين القانون يؤدي إلى تجسيده والوقوف في وجه سيره وتطوره ، فإن هذا غير صحيح ، فكثيرا ما يلجأ المشروع إلى تعديلات جديدة للقانون كلما تطلب الحال ذلك .
المذهب الفردي والمذهب الاشتراكي
يطرح التساؤل في هذا الاطار حول هدف القانون.
هل يهدف القانون الى حماية الفرد أو المجتمع, الى سعادة الفرد كفرد, أو الى الخير العام باعتبار أن الفرد عضو في المجتمع ؟
أولا: المذهب الفردي
يقوم المذهب الفردي على اعتبار أن الفرد هو الأساس وأنه ولد حرا, وأن الجماعة ما هي إلا مجموعه من الأفراد وهدف الجماعة هو الحفاظ على حريات الأفراد, وبذلك فيجب أن يتمتع بالحقوق والحريات في جوانبها المختلفة ,إلا أن ممارسة الفرد لحقوقه وحرياته قد تتعارض مع حقوق الآخرين, ونتيجة لذلك وجد القانون من أجل الحفاظ على ممارسة الأفراد لحقوقهم, ولا يتدخل القانون في هذه الحال هالا بالقدر الذي يساعده في تحقيق هذا الهدف الذي يسعى إليه.
من خلال ذلك, يمكن القول أن هدف المذهب الفردي هو الحفاظ على حرية الفرد, وبذلك فالمذهب الفردي يقوم على أساس أن مصلحة الفرد هي الغاية, وهدف القانون والجماعة ماهي الا نسيج صناعي يمارس كل فرد نشاطه ممن خلاله, ويرى أنصار هذا المذهب أن تحقيق مصلحة الفرد تؤدي الى تحقيق مصالح الجماعة , لأن مصالح الجماعة ما هي إلا مصالح الأفراد مجتمعة.
وقد انعكس هذا المذهب على وظيفة الدولة التي تقوم عليها الأنظمة الحرة التي تجد أساسها في المذهب الفردي الذي تضمنه بنود إعلان حقوق الإنسان والمواطن سنة 1789 التي تستند الى فكرة القانون الطبيعي الذي أقام العلاقات الثابتة بين مختلف الظواهر, وأن الباعث على النشاطات المختلفة خاصة منها الاقتصادية هو المصلحة الشخصية التي تتوافق مع المصلحة العامة, وذلك بترك الافراد أحرارا ومتساوين يمارسون ما يحلولهم من مهن, مما يولد في نفوسهم روح التنافس والابتكار فتكثر الخيرات ويزداد التطور, كل ذلك في صالح المجتمع.
إن التنازع والتنافس بين الأفراد ومصالحهم, يتم حسمه عن طريق قانون السوق, ولا تتدخل الدولة ..
وخلاصة القول فان المذهب الفردي يهدف الى حماية الفرد ومنحه حريته كاملة, والجماعة ما هي الا مجموعة من الأفراد, وأن تحقيق المصالح الفردية معناه تحقيق مصالح الجماعة, وأن الدولة لا تادخل في حقوق وحريات الأفراد وتقتصر على مرافق الدفاع والأمن والقضاء.
نقد:
- يعتبر المذهب الفردي أن حقوق الفرد سابقة على وجود في الجماعة وهذا غير منطقي ، حيث لا يمكن وجود حقوق للفرد سابقة على وجود الجماعة .
- إن المذهب الفردي يعمل مصالح الجماعة ، حيث يعتبر المجتمع عبارة نسيج وجد من أجل تحقيق مصالح الفرد بصورة مطلقة ، وهذا يؤدي إلى بث الأنانية في النفوس ويهمل مصالح الجماعة .
ثانيا: المذهب الاشتراكي (الاجتماعي)
ينظر المذهب الاشتراكي إلى القانون عكس النظرة الفردية ، فالفرد في مفهوم المذهب الاشتراكي هو كائن اجتماعي مرتبط بغيره من الناس ، والجماعة هي الغاية من الوجود ، وليست أداة لغيرها من الغايات لذلك يجب تسخير الأفراد لخدمتها كل يشارك بنصيب من مجهوده في سبيل تحقيق الصالح العام المشترك .
وقد انتقلت هذه الأفكار الاشتراكية إلى السيدان العمليين في القرن العشرين . ويؤدي الأخذ بهذا المذهب إلى اتساع نشاط الدولة و وظائفها وتهدف الاشتراكية إلى جعل الدولة مسيطرة على وسائل الإنتاج وإلغاء الفوارق الطبقية ، بالإضافة إلى ذلك تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة .
وترى المدرسة الاشتراكية أن القانون هو تدبير برجوازي تلجأ إليه الطبقة الغنية لحكم الطبقة الفقيرة واستغلالها اقتصاديا ، وأن الدولة فهي الجهاز القانوني بأكمله الذي توظفه البرجوازية لقمع الطبقة العاملة واستغلالها .
ويعترف الماركسيون بالطابع التقدمي للدولة من حيث أنها مرحلة ضرورية لتساهم في إعداد المجتمع لخوض غمار الثورة الشيوعية .
ويرى الماركسيون أن الدولة تموت ، وتفسح المجال للمجتمع الشيوعي الذي يطبق مبدأ التنظيم الذاتي ، ويتحقق الانسجام والشيوعية .
إلا ن الشيوعية لم يتم الوصول إليها، بل انهارت الاشتراكية حيث تحولت هذه الأخيرة إلى جهاز تسلطي وبيروقراطي يقمع الحريات ويقيدها ، وأدى ذلك في النهاية إلى انهيار الاشتراكية كنظام وكأيديولوجية وانتهت الحرب الباردة بانتصار المعسكر الرأس مالي وانتشار المذهب الليبرالي والسوق الحر .
ومن خلال ذلك ، فإن الحرية وفق المذهب الاشتراكي ليست حقا طبيعيا كما يزعم أنصار المذهب الفردي ، وإنما هي ممنوحة للفرد من الجماعة ،وقد أدى ذلك إلى توسيع نطاق القاعدة القانونية وانبساطها على مختلف أفاق النشاط في الجماعة فتقلص بذلك "مبدأ سلطان الإرادة" و "حرية التعاقد" وزيادة تدخل الدولة لإقامة المساواة الحقيقية بين المتعاقدين لمنع تحكم أحد طرفي العقد ، وبما يملك في قوة اقتصادية من من ظروف العرض والطلب.
نقد:
- تعرف هذا المذهب إلى الكثير من الانتقادات منها أن القضاء على نشاط الفرد وإضعاف روح الابتكار عنده نتيجة حرمانه من حق الملكية .
- إذا كان هذا النظام يؤدي إلى القضاء على الاستغلال فإنه من جهة أخرى يسمح لطبقة أخرى باستغلال الطبقة العاملة واستبعادها ، وذلك عن طريق القضاء على حرياتهم وحقوقها.
مذهب التضامن الاجتماعي
La Doctrine De Le Solidarité Sociale
من أبرز فقهاء هذه المدرسة ، الفقيه الفرنسي "ليون ديجي"، وكذلك الفقيه "موريس هوريو" .
يرى الأستاذ "ليون ديجي" أن القانون مرتبط بالتضامن الاجتماعي، حيث يرى"ديجي" أن الإنسان قد عاش في الماضي كما يعيش الآن مع غيره في حياة اجتماعية ، والمجتمع بالنسبة إليه يعتبر حقيقة واقعية . فالإنسان هو من جهة عضو في جماعة إنسانية ، ومن جهة أخرى هو إنسان له كيان شخصي مستقل عن المجتمع ، له حاجاته الشخصية وميوله الخاص الذي لا يمكن إشباعه إلا في ظل مجتمع .
من خلال ذلك ، يرتبط الإنسان بأفراد المجتمع ارتباط تضامن ، فالتضامن عند "ديجي" حقيقة علمية واقعية ، وليست مثلا أعلى ميتافيزيقي . ويرى "ديجي" أن ظاهرة التضامن ظاهرة حقيقية ويظهر ذلك كمثال :
- عند القبائل الرُّحل ، حيث كان الناس يجتمعون للدفاع عن كيانهم وظروف حياتهم .
- في مجال الأسرة ، نلاحظ التضامن بصورة واضحة وكاملة ، حيث أن الدافع المؤدي إلى ذلك أكثر مما سبق والمتمثل في عوامل القراية والدين .
- أمّا في المدن ، فيظهر التضامن الاجتماعي بين الأسر ذات التقاليد والأصول والأعراض المتحدة .
وما يمكن قوله بشأن هذه النظرية أنها تفترض قيام تضامن اجتماعي سامي على كل الخلافات الموجودة بين الطبقات ، وهذا معناه أن الفوارق الموجودة مهما تضاعفت وتسلطت معها الطبقة الحاكمة فإن الطبقة المحكومة تبقى مقيدة بفكرة التضامن .
مفاهيم عامة حول دولة القانون
شاع مفهوم دولة القانون في نهاية القرن العشرين ، ومفهومه ببساطة هو حكم القانون الشامل و سمو قواعده فوق الجميع .
ويتركز هذا المفهوم على مجموعة من الأسر ينبغي أن تسير عليها الأنظمة الحاكمة وتتمثل هذه الأسس في :

- ضرورة وجود دستور.
- مبدأ الفصل بين السلطات .
- التعددية السياسية .
- حرية التعبير والصحافة والرأي .
ويدخل كل ذلك في إطار ما يسمى بـ: احترام حقوق الإنسان.
1)-ضرورة وجود الدستور :
كلمة دستور ليست عربية الأصل ومعناها هو القانون الأساسي ، لكن هناك من يستعمل الدستور بهذا المعنى، وهناك من يستعمل "مصطلح القانون الأساسي" للدلالة على قوانين لا تصل إلى مرتبة الدستور ، غير أنها تعتبر أساسية حيث توجد هناك قوانين أخرى تتناولها بالشرح، أو قوانين أخرى تتناول أحد جزيئات القانون الأساسي.
إذن فالدستور هو الوثيقة المنظمة للدولة وشؤون الحكم وهذا هو المعنى الحقيقي لهذه الكلمة في حيز أنها يمكن أن تستعمل بمعنى واسع فيكون مجموعة القواعد الأساسية التي تبين كيفية تكوين وتنظيم الجماعة ، وقد يكون مكتوبا أو عرفيا . ومن خلال هذا المفهوم ، فإن الدستور يوجد في كل جماعة من الأسرة حتى الدولة وهذا هو المعنى الواسع للدستور.
وقد بدأت الحركة الدستورية في الظهور في عصر النهضة الأوروبية من أجل تفسير السلطة الواسعة للملك ومن ثمّ ظهرت الدساتير المكتوبة من أجل الحد من السلطة المطلقة و الاستبدادية للملوك.
أما من الناحية القانونية ، فإن الدستور ينظم شؤون الدولة وعلاقة أجهزته ببعضها البعض ، كما أن الحكام يمارسون وظائفهم ز اختصاصاتهم طبقا لهذا الدستور .
ومن الجانب القانوني فإن الدستور له مفهوم شكلي وآخر موضوعي .
أما المفهوم الشكلي فهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة الدستورية ، إذن المفهوم الشكلي للدستور يتمثل في مجموعة النصوص القانونية المتضمنة في الوثيقة الدستورية الموضوعة من طرف هيئة مختصة .
غير أن هذا المفهوم الشكلي يتعارض مع وجود دساتير عرفية غير مكتوبة في وثيقة معتمدة لدستور ، ومثال لذلك دستور انكلترا .
أما المفهوم الموضوعي فيتعلق بمجموعة القواعد التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم وطبيعة العلاقة بين السلطات المختلفة واختصاصاتها،وكذلك مجموعة القواعد التي تبين حقوق الأفراد وحرياتهم العامة وضماناتها . وفي كل هذه الأحوال دون النظر إلى ما إذا كانت مكتوبة في وثيقة أو كانت عرفية .
ومن خلال المفهومين السابق ذكرهما اختلف الفقهاء حول المعيار المعتمد في تعريف الدستور فمنهم من اعتمد المعيار الشكلي معتبرا الدستور هو تلك الوثيقة المكتوبة والمدوّنة ، ومنهم من اعتمد المعيار الموضوعي الذي يعتمد على جوهر نظام الحكم ومضمون الدستور.
2)-مبدأ الفصل بين السلطات :
من المبادئ التي يرتكز عليها مفهوم دولة القانون بدأ الفصل بين السلطات .
لقد اقترن هذا المبدأ بالفقيه"مونتسكيو" الذي تطرق له في كتابه "روح القوانين".ويرى "مونتسكيو" أن مبدأ الفصل بين السلطات وسيلة للتخلص من السلطة المطلقة للملوك ، حيث أن جمع السلطات في يد واحدة يؤدي إلى الاستبداد ، وللحد من ذلك كان يجب وضع قيود على تلك السلطات ، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بوجود سلطة مقابلة لها – السلطة توقف السلطة .
من خلال ذلك ، يجب أن تكون السلطات موزعة بين هيئات مختلفة تعمل من أجل تحقيق المصلحة العامة وتوقف كل منها الأخرى عند اعتدائها على اختصاصاتها .
ويرى الفقيه "مونتسكيو" أن الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات يؤدي إلى ضمان احترام الحقوق والحريات الفردية بحيث يجب أن توزع هذه السلطات بين ثلاث هيئات :
- السلطة التشريعية تكون بيد الشعب أو ممثليه
- السلطة التنفيذية بيد ملك قوي
- السلطة القضائية تسند إلى هيئة مستقلة
3)-التعددية السياسية :
لقد كانت الأنظمة السياسية في النظام الدولي السياسي قبل انهيار المعسكر الاشتراكي يحضى بحماية مبدأ السيادة ، حيث أنه بموجب هذا المبدأ كانت الأنظمة السياسية تقبل في الأمم المتحدة سواء كانت ديمقراطية أو ديكتاتورية .
وقد جاء في اللائحة المتعلقة بالعلاقات الودية سنة 1975 أن لكل دولة حق الاختيار الحرية نظامها السياسي والاجتماعي والثقافي . والاختيار في هذا النص يخص "الدول" لا "الشعوب" أي أن هناك إمكانية الاختيار من طرف الحكومات ضد إرادة الشعوب .
غير أن هناك تحول على صعيد المجتمع الدولي ، وأصبحت الأمم المتحدة تعمل على تجسيد مبدأ الانتخابات الدورية والنزيهة وكذلك المساعدة على إجراء هذه الانتخابات فقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1990 اللائحة 150/45 حول تعزيز فعالية مبدأ الانتخابات الدورية والنزيهة كعنصر أساسي للتمتع الفعلي بعدد كبير من الحريات والحقوق الأساسية الأخرى .
غير أن هذه النصوص قد لاقت مقاومة شديدة من تلك الدول التي أبقت على هذه النصوص نظرية دون تطبيقها في الميدان . وقد تجسدت هذه المقاومة في صدور نصوص لاحقة وفي نفس الوقت الذي صدرت فيه النصوص التي تؤكد على ضرورة وجود انتخابات وتعزيز فعاليتها . وتمثلت هذه النصوص اللاحقة في تلك النصوص التي تلحّ على احترام مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول فيما يتعلق بالمسارات الانتخابية .
من خلال كل ما سبق يمكن القول أن دولة القانون هي هدف ومسعى حضاري تتسابق من أجل تحقيقه شعوب العالم وحضاراته ، وقد تختلف هذه الشعوب في منهاجها وطرفها لتحقيق هذا المبتغى الاستراتيجي إلا أنها تهدف في الأخير لبلوغ خضوع الدولة للقانون وتحقيق العدالة داخل المجتمع وبين الأفراد ...
.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الأستاذ : موجاج مهدي
الأستاذ : موجاج مهدي
Admin

عدد المساهمات : 421
نقاط : 1221
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 05/12/2010
العمر : 35
الموقع : facebook : mehdi hypotep

https://droit-khenchela.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى