منتديات الأستاذ : موجــاج مـهدي للقانون العام والخاص
طرق تعديل الدساتير ونهايتها W6w20012



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات الأستاذ : موجــاج مـهدي للقانون العام والخاص
طرق تعديل الدساتير ونهايتها W6w20012

منتديات الأستاذ : موجــاج مـهدي للقانون العام والخاص
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

طرق تعديل الدساتير ونهايتها

اذهب الى الأسفل

طرق تعديل الدساتير ونهايتها Empty طرق تعديل الدساتير ونهايتها

مُساهمة من طرف الأستاذ : موجاج مهدي الأحد يناير 23, 2011 1:44 pm

طرق تعديل الدساتير ونهايتها 54645614
تعديل الدستور:القواعد الدستورية هي في حقيقتها انعكاس للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع السياسي، تؤثر وتتأثر بها، وبما أن هذه الأوضاع في تطور وتغير مستمر، بات لزاماً على القواعد الدستورية مواكبة التطورات المختلفة التي ترافق المجتمع السياسي وذلك بإجراء التعديلات الضرورية والتي تفرض سنة التطور.
وفكرة تعديل الدستور نشأت في الواقع، مع ظهور الدساتير واستقرت باستقرارها.
وتعديل الدستور يكون على نوعين، فإذا اتبعت الإجراءات المنصوص عليها في صلب الدستور والخاصة بتعديل أحكامه يكون التعديل رسمياً، أما إذا لم يتم التعديل وفق قواعد الدستور نفسه فيكون التعديل عرفياً.
وكلامنا على تعديل الدستور سينصرف على التعديل الرسمي فقط، ذلك لأننا سبق وتكلمنا على التعديل العرفي وذلك بمناسبة الكلام على العرف المعدل. والتعديل الرسمي للدستور يثير عدة أمور وهي:-
معرفة السلطة المختصة بالتعديل، والقيود التي تفرض على سلطة التعديل، واخيراً اجراءت التعديلات.
1- السلطة المختصة بالتعديل:
يميز الفقهاء بين سلطتين هما: السلطة التأسيسية الأصلية، والسلطة التأسيسية المنشأة (المشتقة).
السلطة الأولى تناط بها مهمة وضع دستور لدولة جديدة أو وضع دستور جديد للدولة بدلاً من دستورها القديم. وهذه السلطة هي التي تضع القواعد التي يتم بموجبها تكوين وتثبيت عمل السلطات المنشأة أو المؤسسة التي يتم بموجبها تكوين وتثبيت عمل المنشأة أو المؤسسة، كالسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية. والسلطة التأسيسية الأصلية، وهي في سبيل تحقيق هذه المهمة لا تتلقى اختصاصاتها من أي دستور قائم، فهي حرة في اختيار الأيدلوجية أو الفلسفة السياسية التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة. وغني عن البيان أن السلطة التأسيسية الأصلية هذه قد تكون فرداً واحداً وقد يكون جمعية منتخبة من قبل الشعب أو قد تكون الشعب نفسه يمارسها بشكل مباشر.
أما السلطة التأسيسية المنشأة (المشتقة) فهي سلطة معينة من قبل الدستور نفسه، وهي التي تتكفل بإجراء التعديلات على دستور ساري المفعول. ولهذه تعتبر السلطة التأسيسية المنشأة هيئة في الدولة (أي سلطة مؤسسة)، وعلى هذا الأساس تكون سلطة مقيدة بنصوص الدستور من حيث تكوينها ومن حيث عملها.
لقد ثار نقاش طويل بين الفقهاء بصدد الإجابة عن تساؤل مهم حول مدى صلاحية السلطة التأسيسية في التعديل مفاده: هل تستطيع السلطة التأسيسية الأصلية (واضعة الدستور) التدخل في أي وقت تشاء، من أجل تعديل الدستور، مهملة بذلك السلطة المختصة بالتعديل والمنصوص عليها في صلب الدستور؟.
لقد أيد فكرة تدخل السلطة التأسيسية الأصلية في تعديل الدستور، فقهاء القانون الطبيعي منهم الفقيه ( Vattl )، وذهبوا إلى ضرورة الموافقة الإجماعية للأمة على التعديل ذلك لأن الدستور هو التعبير عن فكرة العقد الاجتماعي التي قام عليها المجتمع السياسي. وبما أن هذا العقد لم يتم إبرامه إلا بإجماع الأفراد فأن أي تعديل يطرأ عليه لا يتم إلا بذات الطريقة أي الموافقة الإجماعية للأفراد.
غير أن هذا الرأي يؤدي إلى استحالة الإجماع في هذا الخصوص، الأمر الذي جعل الفقيه (فاتيل) يتراجع عن رأيه، وذهب إلى الاكتفاء برأي أغلبية أفراد الجماعة على التعديل مع اعتراف بحق الأقلية في المعارضة. أما الفقيه الفرنسي ( Sieyes ) فذهب إلى أن تعديل الدستور هو حق منوط بالأمة ذاتها باعتبارها صاحبة السيادة: وهي تستطيع إن شاءت، أن تنيب عنها ممثليها في أجراء التعديل أو أن تقوم هي نفسها بهذه المهمة والاكتفاء في التعديل بتوافر الأغلبية.
غير أن هذه الآراء الفقهية لم يكتب لها النجاح، فساد الاعتقاد في فقه القانون الدستوري بإسناد مهمة تعديل الدستور للسلطة التي أناط بها الدستور هذه المهمة وبالطريقة التي يحددها بشرط أن تراعي إجراءات التعديل المنصوص عليها في صلب الدستور.
وسلطة التعديل هذه، كهيئة من هيئات الدولة، تكون من الناحية الدستورية في نفس المركز تتمتع به بقية هيئات الدولة ولكن نظراً لأهمية سلطة التعديل من الناحية السياسية فالسلطة التأسيسية الأصلية، تحاول عند وضعها للدستور تمنح سلطة التعديل هذه إلى الهيئة التي تحرص على تفضيلها سياسياً.
فتارة تناط سلطة التعديل بالهيئة التنفيذية أو بهيئة تخضع لأشرافها (كما كان عليه الحال في ظل الإمبراطورية في فرنسا)، وأحيانا تناط سلطة التعديل بالبرلمان أو بهيئة متفرعة عنه كما كان عليه الحال في ظل دستور (1875) الفرنسي وكما هو الحال في ظل الدستور السوفيتي لعام (1977) (م174) واخيراً قد تعطي سلطة التعديل للشعب ذاته ، الذي قد يمارسها بواسطة هيئة منتخبة من قبله كما هو الحال في أغلبية دساتير الولايات المتحدة الأمريكية. أو يمارسها الشعب مباشرة عن طريق الاستفتاء الدستوري. كما هو الحال في ظل الدستور الفرنسي لعام (1958) (ف2، م89).
القيود التي ترد على سلطة التعديل ومدى قيمتها القانونية:
سبق أن قلنا بأن هناك اختلافاً فقهياً حول الحظر المطلق أو الجمود المطلق الكلي الدائم للدستور من حيث مدى مشروعيته.
بيد أن صعوبة أو تعقيد إجراءات الدستور الجامد واختلافها عن الإجراءات تعديل القانون العادي شيء والقيود التي يفرضها المشرع الدستوري على سلطة التعديل شيء آخر. ففي الحالة الأولى تكون أمام جمود نسبي للدستور، أما في الحالة الثانية فنكون أمام منع نسبي لتعديل الدستور ويأخذ المنع صورتين هما، الحضر الموضوعي والحظر الزمني.
أ‌- الحظر الموضوعي:
وهو المنع الذي يرد على نصوص معينة في الدستور تعالج وتجسد أحكاماً ومبادئ معينة، يعتقد المشرع بضرورة حمايتها وذلك عن طريق حظر تعديلها، أما بصورة دائمة أو مؤقتة. وعلى هذا الأساس فالحظر الموضوعي يأخذ شكلين، فهو أما أن يكون حظراً دائماً أو محذرا مؤقتاً.
ومن أمثلة الدساتير التي تحظر تعديل بعض الأحكام الواردة فيها بشكل دائم دساتير فرنسا للأعوام (1875) (المادة الثانية من القانون الدستوري المضاف للدستور والصادر في 14/8/1884) و (1946/م950) و(1958/ف5 من المادة 89)، والتي نصت جميعها على عدم جواز اقتراح تعديل شكل الحكم الجمهوري. وقد جاء بحظر مماثل كل من الدستور الإيطالي لعام (1947/م139) والدستور التونسي لعام (1959/م72). أما الدستور الجزائري لعام (1976) فقد نصت المادة (195) منه على إن أي مشروع لتعديل الدستور لا يمكن أن يمس الصفة الجمهورية للحكم ودين الدولة والاختيار الاشتراكي والحريات الأساسية للأنسان والمواطن ومبدأ التصويت عن طريق الاقتراع العام المباشر والسري ولا ان يمس مشروع التعديل كذلك بسلامة التراب الوطني.
ونصت الفقرة /ج من المادة (104) من دستور البحرين لعام (1973) على عدم جواز اقتراح تعديل مبدأ الحكم الوراثي وكذلك الحرية والمساواة كما لا يجوز اقتراح تعديل المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع، ولغتها الرسمية هي اللغة العربية. ومن هذا القبيل نصت المادة (175) من الدستور الكويتي لعام (1962) على عدم جواز اقتراح تعديل الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في الدستور.
أما الحظر الموظوعي المؤقت فيعني عدم جواز المساس ببعض نصوص الدستور خلال فترة زمنية بسبب وجود ظروف معينة، فإذا زالت تلك الظروف ارتفع الحظر. ومن أمثلة النص على عدم جواز تعديل النصوص الدستورية، المتعلقة بحقوق الملك ووراثة العرش أثناء الوصايا في النظم الملكية، كما كان عليها الحال في ظل الدستور.المصري لعام (1923/م158) وفي ظل القانون الأساسي العراقي لعام (1925/ف1 من المادة/22/0 وقد جاء الدستور الأردني النافذ والصادر في عام 1925 بحكم مماثل في هذا الصدد/ ف2 من المادة/126)
ومن الأمثلة الأخرى للحظر الموضوعي المؤقت ما جاءت به المادة (176) من الدستور الكويتي والتي نصت على عدم جواز اقتراح تعديل صلاحيات الأمير المبنية في الدستور خلال فترة النيابة عنه.
ولقد تضمن الدستور الفرنسي لعام (1958) حظراً موضوعياً مؤقتاً مفاده عدم جواز تطبيق المادة (89) منه (لأي سبب كان) وانتخاب رئيس جديد (انظر الفقرة/11 من المادة /7 من دستور 1958 الفرنسي).
ب‌- الحظر الزمني:
يهدف هذا الحر إلى حماية أحكام الدستور من التعديل خلال فترة من الزمن، وهذه الفترة قد تكون محددة أو غير محددة ولكنها مؤقتة في جميع الأحوال. من أمثلة هذا الحظر ما جاء به الدستور الفرنسي لعام (1791) الذي منع إجراء أي تعديل على نصوصه لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ نفاذه (انظر المادة الثالثة من الباب السابع بدلالة المادة الثانية: الفصل الأول من الباب الثالث من هذا الدستور). وكذلك الحظر الزمني الذي فرضته المادة (119) من القانون الأساسي العراقي لعام (1925) لمدة خمس سنوات تبدأ من تاريخ نفاذه (عدا الأمور الفرعية من الدستور والتي أجازت الماد/118 تعديلها خلال سنة واحدة فقط من تاريخ نفاذ الدستور).
كما تضمن الدستور الكويتي لعام (1962) حظراً زمنياً. لمدة خمس سنوات تبدأ من تاريخ العمل به (م/174). ونصت المادة (151) من الدستور السوري لعام (1973) على عدم جواز تعديله قبل انقضاء ثمانية عشرا شهراً على تاريخ نفاذه. وقد يفرض الحظر الزمني بسبب ظروف استثنائية يمر بها البلد كالاحتلال الأجنبي، ومثال ذلك ما نص عليه الدستور الفرنسي لعام (1946) من عدم جواز تعديله في حالة احتلال قوات أجنبية لأرض الوطن أو جزء منه.
أما ما يتعلق بالقيمة القانونية للخطر الموضوعي والحظر الزمني، فهناك اختلاف فقهي حول قيمة النصوص التي تفرض الحظر. فمن الفقهاء من ذهب إلى تجريد تلك النصوص من كل قيمة قانونية، ذلك لأن السلطة التأسيسية الحالية لا تمنع بأية صفة في إمكانية تحديد (تقييد) السلطة التأسيسية المستقبلية ولا يمكن والحالة هذه تبرير الجمود الدستوري (الحظر الموضوعي والحظر الزمني) من الناحية القانونية، لأنه يتنافى مع القانون ويتنافى كذلك مع طبيعة الأشياء، وجميع التبريرات التي قيل بصدد الجمود، وخصوصاً فيما يتعلق بالخطر الموضوعي، وهي تبريرات سياسية الغرض منها الحفاظ على نظام سياسي معين أو حماية فكرة أو مكسب سياسي.
ولكن الواقع السياسي للمجتمعات لسياسية يؤكد بأن الجمود لا يتعارض دائماً مع القانون وطبيعة الأشياء. نعم أنه يمكن أن يكون كذلك في ظل ظروف معينة ولغايات محددة. ولكنه يمكن أن يكون أحيانا وسيلة مهمة وفعالة. للحفاظ على كل هو متقدم وسليم من المبادئ والقيم والأفكار التي إذا ما أزيلت بالتعديل أو غيره نجم ارتداد إلى كل ما سيئ ومتخلف، ويكفي أن نذكر كيف أن تعديلاً لإزالة القيود الدستورية المفروضة إلى ممارسة الحكام للسلطة يمكن أن يكون حقاً متعارضاً وفكرة القانونية والدستورية والحرية وحقوق الإنسان. ولهذا نجد أن الفقيه الفرنسي (جورج بيرو) يقول أن الحظر الزمني بسبب الظروف الاستثنائية، كالاحتلال الأجنبي لا شائبة فيه، ذلك تفادياً من تكرار ما حدث بفرنسا في 10/7/1940، ابان حكم المارشال (بيتان)، بعد الاحتلال الألماني لها.
لأن الاحتلال الأجنبي يشل في الواقع ممارسة السيادة الوطنية ويجعل من ممارسته السلطة التأسيسية أمراً مستحيلاً وبالتالي فأن أي تعديل على الدستور في مثل هذه الظروف، يكون معيباً.
وهذا السبب هو الذي حدا بالمشرع الدستوري الفرنسي، بعد الحرب العالمية الثانية، أن يفرض حظراً زمنياً مفاده عدم جواز تعديل الدستور في حالة احتلال، قوات أجنبية لأرض الوطن أو جزء منه. (المادة/94 من دستور عام 1946).
2- إجراءات تعديل الدستور:
من المعروف إن إجراءات تعديل الدستور الجامد تختلف عن إجراءات تعديل القانون العادي، بيد أن هذه إجراءات تختلف من دستور لاخر. ويمكن تقسيم هذه الإجراءات إلى ثلاثة مراحل أساسية هي: مرحلة اقتراح التعديل ومرحلة الموافقة على التعديل ومرحلة إقرار التعديل بصيغته النهائية.
- المرحلة الأولى: مرحلة اقتراح التعديل:
اختلفت الدساتير في الجهة التي تمنح حق ممارسة اقتراح التعديل وذلك تباعاً لاختلاف الاتجاه السياسي الذي يتبناه الدستور. فقد يمنح الدستور هذا الحق للسلطة التنفيذية وحدها للسلطة التشريعية وحدها، وقد يمنح الدستور هذا الحق للسلطتين معاً أو للسلطة التشريعية والشعب. ففي ظل الدساتير التي ترمي إلى تحقيق السيطرة السياسية للسلطة التنفيذية وتقويتها على حساب السلطة التشريعية، نجد أن حق اقتراح التعديل يقتصر على الحكومة أو على رئيس الدولة فقط، ومن الدساتير القديمة التي أخذت بهذا الحل، الدستور الفرنسي لعام (1852) (في نابليون الثالث)، الذي نص على أن الاقتراحات المقدمة من قبل مجلس الشيوخ لتعديل الدستور لا يؤخذ بها إذا تبنتها الحكومة (المادة 31 من الباب الرابع) ومن الدساتير الحديثة التي سلكت هذا الاتجاه، الدستور الياباني لعام (1946/م72) والدستور الأردني لعام (1952/ف1من المادة/126)، وكذلك الدستور الجزائري لعام (1976)، إذ نصت لمادة (191) منه على أن لرئيس الجمهورية حق المبادرة باقتراح تعديل الدستور.
- المرحلة الثانية: مرحلة الموافقة على التعديل
تعطي غالبية الدساتير للبرلمان سلطة الفصل فيما إذا كانت هناك حاجة ملحة لأجراء التعديل من عدمها، ذلك لأن البرلمان يعتبر أكثر هيئات الدولة صلاحية للبت في ضرورة إجراء التعديل المقترح. وقد أخذت بهذا الاتجاه عدة دساتير منها الدستور السوفيتي النافذ، إذ نصت المادة (174) منه على ذلك بقولها: يعدل دستور الاتحاد السوفيتي بقرار من السوفيت الأعلى في الاتحاد السوفيتي تتخذ أكثرية لا تقل عن ثلثي عدد النواب الإجمالي في كل من مجلسيه.
وقد أخذ بهذا الحال القانون الأساسي العراقي لعام (1925) إذ نصت المادة (119) منه على أن كل تعديل يجب أن يوافق عليه كل من مجلسي النواب والأعيان بأكثرية مؤلفة من ثلثي أعضاء كلا المجلسين المذكورين.
- المرحلة الثالثة: إقرار التعديل بصيغته النهائية
تمنح أغلب الدساتير حق إقرار التعديل بشكله النهائي للسلطة التشريعية مع تطلب بعض الشروط الخاصة. فالمادة (73) من الدستور التونسي لعام (1959) لم تسمح بإدخال أي تعديل على الدستور من قبل مجلس الأمة إذا تمت الموافقة عليه بأغلبية الثلثين من الأعضاء في قرأتين تقع الثانية بعد ثلاث أشهر على الأقل من الأولى، وبعد ذلك يصدر رئيس الجمهورية النص المعدل للدستور (المادتين 52و74). أما الدستور المصري فقد بين في حالة موافقة مجلس الشعب على مبدأ التعديل يناقش، بعد شهرين من تاريخ هذه الموافقة، المواد المراد تعديلها، فأذا وافق على التعديل ثلث عدد أعضاء المجلس عرض على الشعب لاستفتائه بشأنه. وإذا حصلت الموافقة الشعبية على التعديل اعتبر نافذاً من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء.
تعديل الدستور وإلغاءه:
القواعد الدستورية وضعت لتنظيم ممارسة السلطة في الدولة على ضوء فكرة سياسية واجتماعية واقتصادية معينة. والمفروض في هذه القواعد شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية العادية، أن تواكب التطورات المختلفة التي تطرأ على حياة المجتمع السياسي (أي إنها تتأثر بها وتؤثر فيها). ولهذا السبب نرى المشرع الدستوري يتدخل من وقت لآخر من أجل تعديل قواعده الدستورية ولكن هذه التعديلات الجزئية لنصوص الدستور قد تعجز عن مواكبة تلك التطورات المختلفة في الدولة فتنشأ حينذاك فجوة بين النصوص الدستورية والواقع السياسي لا يمكن معالجتها إلا بأجراء تعديل شامل لنصوص الدستور (أي إلغائه) وهناك طريقان لإنهاء الدستور أو إلغائه وهما الطريق الطبيعي أو العادي والطريق غير العادي أو الثوري.
ولكن بالإضافة إلى إلغاء الدستور فقد يكون هناك تعطيل للدستور وهذا التعطيل قد يشمل جميع نصوص الدستور أو بعض نصوصه وفيما يلي نلقي الضوء أولاً على تعطيل الدستور ونتكلم ثانياً عن إلغائه.
1- تعطيل الدستور:
يكون هناك تعطيل لنصوص الدستور كلا أو جزءا وذلك عندما يلجأ القابضون على السلطة إلى مثل هذا الأجراء لمعالجة أزمة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو في حالة حرب أو عصيان مسلح أو وجود خطر يهدد استقلال الدولة وسلامة أراضيها ومؤسساتها الدستورية وهذا الأجراء ليس من شأنه إلغاء الدستور بل قد يؤدي إلى منح إحدى هيئات الدولة (كرئيس الدولة) سلطات استثنائية لمعالجة تلك الظروف والأزمات ويكون ذلك بطبيعة الحال على حساب اختصاصات هيئات الدولة الأخرى. وقد يؤدي ذلك إلى شل عمل مؤسسات الدولة الدستورية وما قد يترتب على ذلك من تأثير مباشر أو غير مباشر على حقوق الأفراد وحرياتهم.
وهذا التعطيل يسمى بالتعطيل الرسمي للدستور ومثاله ما نصت عليه المادة (16) من دستور (1958) الفرنسي التي منحت رئيس الجمهورية سلطات استثنائية في حالة الضرورة. وكذلك المادة (108) من دستور البحرين لعام (1973) التي أجازت تعطيل أي نص نصوصه في حالة إعلان الأحكام العرفية.
وتعطيل الدستور قد يكون فعلياً أو غير رسمي وذلك عندما لا يعلم عنه بشكل رسمي ولكن في الإمكان ملاحظة ذلك من خلال دراسة الواقع السياسي لذلك البلد ومقارنته بالواقع الدستوري، فالقانون الأساسي العراقي لعام (1925) نص في المادة الثانية منه على أن شكل الحكومة نيابي، ولكن من خلال استقراء الواقع السياسي العراقي آنذاك يتبين لنا أن النظام السياسي المطبق في ظل ذلك الدستور لم يكن نظاماً برلمانياً حقيقياً. فعلى سبيل المثال نجد أن وسيلة الحال وسحب الثقة وهي من الدعائم الأساسية للنظام البرلماني كانت مطبقة في العراق من جانب واحد. فالوزارات العراقية قد بالغت في حل مجلس النواب وبالمقابل لم يجرأ أي مجلس نواب عراقي طيلة ثلث قرن أن يسحب الثقة من أية حكومة عراقية، وفي ظل النظام البرلماني يكون تعيين الوزراء ورئيسهم مرتبط برأي الأغلبية البرلمانية أما الحالة التي كانت في العراق (البرلماني) هي أن تعيين الوزراء ورئيسهم كان مرتبطاً بموافقة الملك، وقرارات مجلس الوزراء لا تكون نافذة مالم يصادق عليها الملك (65/من القانون الأساسي) وهذا يعني بأن (بأن هناك بون شاسع بين النصوص المثبتة في الدستور النظام السياسي المطبق فعلاً، هناك طلاق بين المخطط الدستوري والواقع السياسي). وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن النصوص الدستورية في القانون الأساسي العراقي والتي جسدت النظام البرلماني كانت معطلة فعلياً ويمكن القول كذلك بأن أول دستور عراقي يصدر في العهد الجمهوري وهو دستور (27/7/1958) المؤقت كان معطلاً فعلياً وخصوصاً خلال الفترة التي أنفرد فيها رئيس الوزراء بالسلطة، إذا لم يعلن عن تعطيل هذا الدستور، ولكن الواقع السياسي للعراقي آنذاك كي يدل على أن الدستور كان معطلاً فعلياً أو الجزء الأكبر من أحكامه في الأقل.
2- إلغاء الدستور:
أ‌- الطريق العادي لإلغاء الدستور:
يراد بالطريق العادي أو الطبيعي أو الرسمي لنهاية الدستور إلغائه بطريق رسمي واحلال دستور جديد آخر محله ينسجم مع التطورات المختلفة في المجتمع السياسي.
والدستور، كما سبق بيان ذلك قد يكون مرناً وجامداً وذلك انطلاقاً من الإجراءات والشكليات المتبعة في تعديل أو إلغاء نصوصه وعلى هذا الأساس نجد أن الدستور المرن يعدل ويلغي بأتباع نفس الإجراءات والشكليات المتبعة في تعديل أو إلغاء القواعد القانونية العادية ومن قبل نفس المشرع العادي، وتعتبر أغلب القواعد الدستورية الإنكليزية المثال التقليدي للدستور المرن اذ يستطيع البرلمان الإنكليزي تعديلها أو إلغاءها بنفس الطريقة التي يتبعها في تعديل أو إلغاء القواعد القانونية العادية. وهذا وتأخذ القواعد الدستورية العرفية وهي في الغالب قواعد مرنة، حكم القواعد القانونية العادية من حيث التعديل أو إلغاء وذلك بنشوء أعراف دستورية جديدة مخالفة للقواعد الدستورية العرفية القائمة أو يكون الإلغاء بتدخل المشرع العادي (كما سبق تبيانه بالنسبة لإنكلترا) وذلك وفقاً للصيغة المتبعة في تعديل أو إلغاء القواعد القانونية العادية. أما بالنسبة للدستور الجامد فأن أمر إلغائه يثير في الواقع أشكالاً من بعض الجوانب. فالإلغاء الجزئي لهذا الدستور (أي التعديل) كما رأينا أمر مسلم به وتنص عليه عادة الدساتير الجامدة مبنية الإجراءات والشكليات الواجب أتباعها في هذا الخصوص وهي تختلف عن تلك المتبعة في تعديل القواعد القانونية العادية.
أما التعديل الكلي أو الشامل (الإلغاء) فهو الذي يثير بعض الصعوبات فالدستور الفرنسي للجمهورية الثالثة الصادر في عام (1875) وهو دستور جامد.
بين الهيئة المختصة والكيفية الواجب اتباعها في تعديله تعديلاً كلياً (أي الغاءه) بيد أن هذا الدستور يعتبر مثالاً نادراً أو يتيماً في هذا الخصوص ذلك لأن أغلب الدساتير الجامدة لا تنص على تعديلها تعديلاً كاملاً أو إلغاءها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: هل يجوز للهيئة التي أعطاها الدستور الجامد حق تعديله جزئياً أن تقوم بتعديله كلياً وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في؟ يجيب غالبية الفقه عن هذا التساؤل بعدم جواز منح الهيئة التي خولها الدستور حق تعديله جزئياً الحق في تعديله كلياً (أي إلغائه) ويعزو الفقه هذا المنع إلى أن هيئة التعديل الجزئي هي سلطة مشتقة (منشأة) وهي لا تختلف عن بقية الهيئات الأخرى الموجودة في الدولة فأن هي أقدمت على تعديل الدستور تعديلاً شاملاً أو حاولت حتى المساس بفكرته الأساسية، فأنها تكون بذلك قد تجاوزت حدود اختصاصها وجعلت من نفسها سلطة أصلية وهذا الحق لا تملكه أي سلطة منشأة، وانما حق خالص للسلطة الأصلية وهذا يعني إذا تمت إقامة دستور معين من قبل مجلس منتخب (طريقة الجمعية التأسيسية) أو من قبل الشعب مباشرة (طريقة الاستفتاء الدستوري) وأعطى هذا الدستور حق تعديله جزئياً إلى هيئة معينة (كالبرلمان مثلاً) فلا تستطيع هذه الهيئة إجراء تعديل شامل عليه (أي إلغائه) ويجب الرجوع في هذه الحالة إلى السلطة التي أقامت هذا الدستور (أي السلطة الأصلية) ولا يشترط أن تتولى السلطة الأصلية التي وضعت الدستور القديم وضع الدستور الجديد لأنه ليس الضروري أن يوضع الدستور الجديد بنفس الأسلوب الذي نشأ بموجبة الدستور الملغي. فقد يكون الدستور القديم قد تم وضعه بطريقة المنحة أو طريقة التعاقد، بينما يتم الدستور الجديد من قبل مجلس منتخب أو من قبل الشعب مباشرة. وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن الهيئة التي أعطاها الدستور حق تعديله جزئياً لا تمتلك حق تعديله كلياً (أي إلغائه) إلا إذا كانت هذه الهيئة هي نفس الهيئة التي أقامت الدستور. وهذا الكلام لا ينطبق بالضرورة على الدساتير المؤقتة والتي توضع عادة عقب الثورات والانتفاضات الشعبية، فأمر تعديلها أو إلغاءها يعود بطبيعة الحال الهيئة التي قامت بوضعها.
هذا ومن الجدير بالذكر أن إلغاء الدستور قد يكون صريحاً أو ضمنياً ويراد بالإلغاء الصريح أن ينص الدستور الجديد بصريح العبارة على إلغاء الدستور القديم، أما الإلغاء الضمني فيعني أن الأحكام والمبادئ التي جاء بها الدستور الجديد تختلف أو تتعارض مع المبادئ والأحكام الواردة في الدستور القديم أو عندما يتناول الدستور الجديد كافة الموضوعات التي تضمنها الدستور القديم بالتنظيم. ومثال ذلك عندما أصدر مجلس قيادة الثورة الدستور المؤقت للجمهورية العراقية في 16/7/1970، وحل هذا محل دستور 21/9/1968، المؤقت دون أن يرد أي نص في الدستور الجديد يتعلق بإلغاء الدستور القديم.
واكتفى قرار مجلس قيادة (الذي صدر بموجب دستور 16/7/1970) بالقول (… إصدار الدستور الجديد ونشره في الجريدة الرسمية) كما صدر الدستور السوفيتي الحالي في 7/10/1977، ولم يتضمن أي نص يلغي الدستور السوفيتي السابق الصادر في عام 1936.
وأخيراً فأن إلغاء الدستور يفترض وجود ذات الدول وبقاء شخصيتها القانونية. أما إذا قامت دولة جديدة نتيجة لاندماج دولتين في دولة واحدة جديدة، فتظهر نتيجة لذلك شخصية قانونية جديدة وتنتهي الشخصية القانونية للدولتين المندمجتين، ويترتب على ذلك إلغاء الدساتير التي كانت معمول بها، دون التقيد في إلغاءها بالأساليب التقليدية، ويتم وضع دستور جديد للدولة الجديدة وهو الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة التي صدر في 5/3/1958، وإلغاء الدستور المصري لعام (1956) والدستور السوري لعام (1950).
ب‌- الطريق غير العادي لإلغاء الدستور:
إذا كان الإلغاء هو الطريق العادي لنهاية الدستور، فأن الثورة أو الانقلاب يعتبر الأسلوب غير العادي لإيقاف العمل بالدستور وأنهائه، وقد لعبت الثورات والانقلابات في العالم دوراً لا يستهان به إلغاء الدساتير وعلى سبيل المثال نجد أن جميع الدساتير الفرنسية، منذ الثورة الفرنسية وحتى الحرب العالمية الثانية، تم إلغائها بالطريق غير العادي باستثناء دستورين هما دستور عام (1793)، الذي لم يكتب له التطبيق، ودستور الجمهورية الثالثة لعام (1875) الذي الغي عام (1940) بعد احتلال فرنسا وتكوين حكومة (فيشي) برئاسة المارشال (بيتان).
أثر الثورة على الدستور القائم:
لقد طرحت في الواقع عدة آراء فقهية حول الثورة على الدستور القائم، وفيما يلي عرض موجز لهذه الآراء مع الإشارة للرأي الذي نرجحه:
1- السقوط التلقائي للدستور:
يذهب الرأي الأول، ويمثله غالبية الفقه إلى أن نجاح الثورة واستلامها السلطة يؤدي إلى سقوط الدستور فوراً من تلقاء نفسه، ودون حاجة إلى تشريع ما يقرر هذا السقوط. فهدف الثورة أنما هو القضاء على نظام سياسي معين، ومعنى نجاح الثورة هو سقوط هذا النظام السياسي وفقدانه لقوته القانونية التي يستند عليها وهي الدستور. وإذا ما أعلن عن سقوط الدستور من قبل القائمين بالثورة، أو ورد نص في دستور النظام السياسي الجديد يعلن عن سقوط الدستور القديم، فهذا الإعلان أو ذلك النص لا يعتبر منشأ بل مقرراً وكاشفاً لحالة سبق وان وقعت فعلاً بقيام الثورة واستلامها للسلطة.
2- بقاء القواعد الدستورية المتعلقة بحقوق الأفراد وحرياتهم:
يذهب الرأي الثاني إلى أن الثورة لا تلغي النصوص الدستورية المتعلقة بحقوق الأفراد وحرياتهم، ويرى هذا الاتجاه أن هذه الحقوق وتلك الحريات لا تتصل بشكل مباشر بالتنظيم السياسي للدولة، وبالتالي يجب أن تكون واجبة الاحترام لأنها كما يقال، استقرت في ضمير الأفراد وأصبحت أسمى من النصوص الدستورية الوضعية، وهذه النصوص تكون في مجموعها ما يمكن أن يسمى بالدستور الاجتماعي الذي لا يتغير بتغير النظام السياسي في الدولة كما أنه قد نص على هذه الحقوق والحريات في وثيقة دولية وهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 10/11/1948. وبذلك أصبحت مقررة في نصوص وضعية دولية تجعلها أسمى من الدستور، وغير مرتبطة بوجوده أو إلغائه. وعلى هذا الأساس فأن سقوط الدستور أثر نجاح الثورة يجب إلا يترتب عليه المساس بالنصوص المتعلقة بحقوق الأفراد وحرياتهم.
3- التمييز بين النصوص الدستورية الموضوعية والشكلية:
أما الرأي الثالث فيتميز بين نوعين من الدستورية، من حيث أثر الثورة على الدستور، وهما النصوص الدستورية الموضوعية والنصوص الدستورية الشكلية. فنجاح الثورة واستلامها السلطة يؤدي إلى سقوط النصوص الدستورية الموضوعية، وهي تلك النصوص المتعلقة بالتنظيم السياسي في الدولة. هذا ولا يترتب على نجاح الثورة إلغاء القواعد الدستورية الشكلية، وهي تلك القواعد التي حشرت في صلب الوثيقة الدستورية، لكي تكتسب قدسيتها وثباتها، والتي لا علاقة لها بالتنظيم السياسي في الدولة. وكل ما يترتب على نجاح الثورة بالنسبة لهذه القواعد هو تجريدها من صفتها الدستورية (أي نزع صبغتها الدستورية) وتصبح قواعد قانونية عادية، ومثال ذلك المادة الخامسة من الدستور الفرنسي لعام (1848) والتي كانت تنص على إلغاء عقوبة الإعدام في المسائل السياسة، فهذه المادة ظلت نافذة المفعول برغم من سقوط الدستور بعد الحركة الانقلابية في عام (1851)، ولكن باعتبارها قاعدة قانونية عادية بعد أن فقدت صفتها الدستورية.
ومثال ذلك المادة (75) من دستور فرنسا للسنة الثامنة والتي كانت تنص على أنه لا يجوز مساءلة الموظفين مدنياُ عن أعمال تتعلق بوظائفهم إلا بأذن من مجلس الدولة فقد أستمر العمل بهذا النص بالرغم من سقوط دستور السنة الثامنة الذي احتواه، وظل قائماً في ظل كافة الدساتير اللاحقة، إلى أن ألغي بمرسوم صدر في عام (1870) من حكومة الدفاع الوطني.
4- إلغاء الدستور يتوقف على أرادة القائمين بالثورة:
أما الرأي الرابع والأخير فيذهب إلى القول أن فعل الاستيلاء على السلطة بحد ذاته لا يلغي الدستور، أنما الذي يلغي القواعد الدستورية هم الحكام الجدد. فعلى أرادتهم الصريحة أو الضمنية يتوقف مصير الدستور.
وعليه لتحديد الثورة على الدستور لابد من الانطلاق من المبدأ القائل أن الدستور يبقى نافذ المفعول طالما لم يظهر الحكام الجدد أرادتهم الصريحة أو الضمنية لإلغاء الدستور كلا أو جزأ. وعلى هذا الأساس يكون تقدير تأثير الثورة على الدستور بعد قيام الثورة واستلامها للسلطة أي أن هذا التقرير يكون لاحقاً على الثورة، لأن هذا الاتجاه يعترف بأن الثورة لا تلغي الدستور بصورة تلقائية، بل أن النظام السياسي الجديد هو الذي يبت في إلغائه الكلي أو الجزئي أو في الإبقاء عليه. وقد تبنى هذا الاتجاه عدد من الفقهاء، منهم الفقيه (دكي) الذي يعتبر القوة الملغية للثورات تقتصر على النصوص التي تحكم شكل الحكومات، ويؤكد بأن هناك عدة مواد كانت موجودة فيما مضى في الدستور، استمرت متمتعة بقوة القانون بعد إلغاء النص الذي كان يحويها. والفقيه (جيز) يعتبر أن الثورة تلغي بالفعل نفسه وبحكم القانون، كل القواعد السياسية والإدارية المناقضة للنظام السياسي الجديد، بمعنى أن الثورة ليست هي التي تلغي القواعد السياسية والإدارية، بل هو النظام السياسي الجديد. وعمليه الإلغاء تقتصر على القواعد الدستورية التي تتنافى مع النظام السياسي الجديد دون غيرها.
في الواقع نرجح الأخذ بهذا الاتجاه، الذي يذهب إلى أن النظام الجديد الذي يسود بعد نجاح الثورة هو، وليس الثورة، الذي يلغي النصوص الدستورية التي لا تتماشى ولا تنسجم مع اتجاهاته، وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن الثورة لا تعتبر بذاتها وسيلة لإلغاء الدستور، لأنه قد يحصل أحيانا نجاح حركة ثورية ولا يجد القائمون بها سبباً لإلغاء الدستور القائم طالما أنهم يستطيعون الالتفاف على أحكامه أو التحايل عليها لخدمة أهدافهم. فعندما قامت الحركة الفاشستية واستولى (موسوليني) على السلطة في إيطاليا عام (1922)، احتفظ نظامه بالملكية وبمجلس البرلمان، وتم أقامت المنظمات الفاشستية الجديدة بموجب الفاشستية الجديدة بموجب قوانين صادق عليها البرلمان، وقد تم كل ذلك وفقاً للإجراءات والشكليات المنصوص عليها في الدستور الإيطالي لعام (1848). وعندما قامت الحركة النازية في ألمانيا، قبل الحرب العالمية الثانية، واستلامها السلطة، تم البقاء على دستور (فايمر) الألماني لعام (1919)، الذي استمر تطبيقه (نظرياً) طيلة الحكم النازي لألمانيا.
هذا وهناك أمثلة كثيرة على ثورات أطاحت بأنظمة سياسية ولكنها لم تسقط دساتير تلك الأنظمة، وفي بعض الأحيان احتفظت الثورات ببعض الهيئات التي كانت من أدوات النظام السابق، وخاصة الهيئات ذات الطبيعة النيابية. فالبرلمان الفرنسي الذي كان قائماً قبل ثورة تموز من عام (1830) ظل باقياً بعد ثورة، لأن مجلس النواب هو الذي قاد الثورة. وكذلك الأمر بالنسبة لحركة الثورة التي قامت في بلجيكا عام (1952) وأدت إلى عزل الملك البلجيكي. وثورة 23/7/1952، المصرية لم تلغي دستور عام (1923)، وهو الدستور الذي كان قائماً قبل الثورة. ولقد جاء في بيان القائد العام للقوات المسلحة في يوم الثورة: … وأنني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور …، وفي 10/12/1952، صدر أعلان دستوري يقضي بإلغاء دستور عام (1923)لأنه أصبح لا ينسجم مع النظام السياسي الجديد.
هذا وأيا كان أسلوب إلغاء الدستور، عادياً أو ثورياً، صريحاً أو ضمنياً، لا يمس هذا الإلغاء القواعد القانونية العادية المطبقة في الدولة، كقواعد القانون المدني والتجاري والجنائي والقوانين المالية..الخ. وهناك اتفاق في فقه القانون الدستوري بأنه لا يترتب على نجاح الثورة أي مساس بتلك القواعد، وتبقى نافذة المفعول إلى أن يتم إلغاؤها أو تعديلها من قبل المشرع الجديد، سواء بطريق صريح أو بطريق ضمني. وهذا يتوقف بطبيعة الحال، على الفلسفة القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي جاءت بها الثورة ومدى انسجام أو تعارض تلك التشريعات مع هذه الفلسفة. وبقاء هذه التشريعات وعدم تأثرها بالثورة يعتبر نتيجة منطقية لمبدأ مقرر ومسلم به وهو مبدأ استمرارية الدولة بالرغم ما يتتابع عليها من أنظمة سياسية.
أثر الثورة على الدستور القائم:لقد طرحت في الواقع عدة آراء فقهية حول الثورة على الدستور القائم، وفيما يلي عرض موجز لهذه الآراء مع الإشارة للرأي الذي نرجحه:
1- السقوط التلقائي للدستور:
يذهب الرأي الأول، ويمثله غالبية الفقه إلى أن نجاح الثورة واستلامها السلطة يؤدي إلى سقوط الدستور فوراً من تلقاء نفسه، ودون حاجة إلى تشريع ما يقرر هذا السقوط. فهدف الثورة أنما هو القضاء على نظام سياسي معين، ومعنى نجاح الثورة هو سقوط هذا النظام السياسي وفقدانه لقوته القانونية التي يستند عليها وهي الدستور. وإذا ما أعلن عن سقوط الدستور من قبل القائمين بالثورة، أو ورد نص في دستور النظام السياسي الجديد يعلن عن سقوط الدستور القديم، فهذا الإعلان أو ذلك النص لا يعتبر منشأ بل مقرراً وكاشفاً لحالة سبق وان وقعت فعلاً بقيام الثورة واستلامها للسلطة.
2- بقاء القواعد الدستورية المتعلقة بحقوق الأفراد وحرياتهم:
يذهب الرأي الثاني إلى أن الثورة لا تلغي النصوص الدستورية المتعلقة بحقوق الأفراد وحرياتهم، ويرى هذا الاتجاه أن هذه الحقوق وتلك الحريات لا تتصل بشكل مباشر بالتنظيم السياسي للدولة، وبالتالي يجب أن تكون واجبة الاحترام لأنها كما يقال، استقرت في ضمير الأفراد وأصبحت أسمى من النصوص الدستورية الوضعية، وهذه النصوص تكون في مجموعها ما يمكن أن يسمى بالدستور الاجتماعي الذي لا يتغير بتغير النظام السياسي في الدولة كما أنه قد نص على هذه الحقوق والحريات في وثيقة دولية وهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 10/11/1948. وبذلك أصبحت مقررة في نصوص وضعية دولية تجعلها أسمى من الدستور، وغير مرتبطة بوجوده أو إلغائه. وعلى هذا الأساس فأن سقوط الدستور أثر نجاح الثورة يجب إلا يترتب عليه المساس بالنصوص المتعلقة بحقوق الأفراد وحرياتهم.
3- التمييز بين النصوص الدستورية الموضوعية والشكلية:
أما الرأي الثالث فيتميز بين نوعين من الدستورية، من حيث أثر الثورة على الدستور، وهما النصوص الدستورية الموضوعية والنصوص الدستورية الشكلية. فنجاح الثورة واستلامها السلطة يؤدي إلى سقوط النصوص الدستورية الموضوعية، وهي تلك النصوص المتعلقة بالتنظيم السياسي في الدولة. هذا ولا يترتب على نجاح الثورة إلغاء القواعد الدستورية الشكلية، وهي تلك القواعد التي حشرت في صلب الوثيقة الدستورية، لكي تكتسب قدسيتها وثباتها، والتي لا علاقة لها بالتنظيم السياسي في الدولة. وكل ما يترتب على نجاح الثورة بالنسبة لهذه القواعد هو تجريدها من صفتها الدستورية (أي نزع صبغتها الدستورية) وتصبح قواعد قانونية عادية، ومثال ذلك المادة الخامسة من الدستور الفرنسي لعام (1848) والتي كانت تنص على إلغاء عقوبة الإعدام في المسائل السياسة، فهذه المادة ظلت نافذة المفعول برغم من سقوط الدستور بعد الحركة الانقلابية في عام (1851)، ولكن باعتبارها قاعدة قانونية عادية بعد أن فقدت صفتها الدستورية.
ومثال ذلك المادة (75) من دستور فرنسا للسنة الثامنة والتي كانت تنص على أنه لا يجوز مساءلة الموظفين مدنياُ عن أعمال تتعلق بوظائفهم إلا بأذن من مجلس الدولة فقد أستمر العمل بهذا النص بالرغم من سقوط دستور السنة الثامنة الذي احتواه، وظل قائماً في ظل كافة الدساتير اللاحقة، إلى أن ألغي بمرسوم صدر في عام (1870) من حكومة الدفاع الوطني.
4- إلغاء الدستور يتوقف على أرادة القائمين بالثورة:
أما الرأي الرابع والأخير فيذهب إلى القول أن فعل الاستيلاء على السلطة بحد ذاته لا يلغي الدستور، أنما الذي يلغي القواعد الدستورية هم الحكام الجدد. فعلى أرادتهم الصريحة أو الضمنية يتوقف مصير الدستور.
وعليه لتحديد الثورة على الدستور لابد من الانطلاق من المبدأ القائل أن الدستور يبقى نافذ المفعول طالما لم يظهر الحكام الجدد أرادتهم الصريحة أو الضمنية لإلغاء الدستور كلا أو جزأ. وعلى هذا الأساس يكون تقدير تأثير الثورة على الدستور بعد قيام الثورة واستلامها للسلطة أي أن هذا التقرير يكون لاحقاً على الثورة، لأن هذا الاتجاه يعترف بأن الثورة لا تلغي الدستور بصورة تلقائية، بل أن النظام السياسي الجديد هو الذي يبت في إلغائه الكلي أو الجزئي أو في الإبقاء عليه. وقد تبنى هذا الاتجاه عدد من الفقهاء، منهم الفقيه (دكي) الذي يعتبر القوة الملغية للثورات تقتصر على النصوص التي تحكم شكل الحكومات، ويؤكد بأن هناك عدة مواد كانت موجودة فيما مضى في الدستور، استمرت متمتعة بقوة القانون بعد إلغاء النص الذي كان يحويها. والفقيه (جيز) يعتبر أن الثورة تلغي بالفعل نفسه وبحكم القانون، كل القواعد السياسية والإدارية المناقضة للنظام السياسي الجديد، بمعنى أن الثورة ليست هي التي تلغي القواعد السياسية والإدارية، بل هو النظام السياسي الجديد. وعمليه الإلغاء تقتصر على القواعد الدستورية التي تتنافى مع النظام السياسي الجديد دون غيرها.

في الواقع نرجح الأخذ بهذا الاتجاه، الذي يذهب إلى أن النظام الجديد الذي يسود بعد نجاح الثورة هو، وليس الثورة، الذي يلغي النصوص الدستورية التي لا تتماشى ولا تنسجم مع اتجاهاته، وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن الثورة لا تعتبر بذاتها وسيلة لإلغاء الدستور، لأنه قد يحصل أحيانا نجاح حركة ثورية ولا يجد القائمون بها سبباً لإلغاء الدستور القائم طالما أنهم يستطيعون الالتفاف على أحكامه أو التحايل عليها لخدمة أهدافهم. فعندما قامت الحركة الفاشستية واستولى (موسوليني) على السلطة في إيطاليا عام (1922)، احتفظ نظامه بالملكية وبمجلس البرلمان، وتم أقامت المنظمات الفاشستية الجديدة بموجب الفاشستية الجديدة بموجب قوانين صادق عليها البرلمان، وقد تم كل ذلك وفقاً للإجراءات والشكليات المنصوص عليها في الدستور الإيطالي لعام (1848). وعندما قامت الحركة النازية في ألمانيا، قبل الحرب العالمية الثانية، واستلامها السلطة، تم البقاء على دستور (فايمر) الألماني لعام (1919)، الذي استمر تطبيقه (نظرياً) طيلة الحكم النازي لألمانيا.
هذا وهناك أمثلة كثيرة على ثورات أطاحت بأنظمة سياسية ولكنها لم تسقط دساتير تلك الأنظمة، وفي بعض الأحيان احتفظت الثورات ببعض الهيئات التي كانت من أدوات النظام السابق، وخاصة الهيئات ذات الطبيعة النيابية. فالبرلمان الفرنسي الذي كان قائماً قبل ثورة تموز من عام (1830) ظل باقياً بعد ثورة، لأن مجلس النواب هو الذي قاد الثورة. وكذلك الأمر بالنسبة لحركة الثورة التي قامت في بلجيكا عام (1952) وأدت إلى عزل الملك البلجيكي. وثورة 23/7/1952، المصرية لم تلغي دستور عام (1923)، وهو الدستور الذي كان قائماً قبل الثورة. ولقد جاء في بيان القائد العام للقوات المسلحة في يوم الثورة: … وأنني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور …، وفي 10/12/1952، صدر أعلان دستوري يقضي بإلغاء دستور عام (1923)لأنه أصبح لا ينسجم مع النظام السياسي الجديد.
هذا وأيا كان أسلوب إلغاء الدستور، عادياً أو ثورياً، صريحاً أو ضمنياً، لا يمس هذا الإلغاء القواعد القانونية العادية المطبقة في الدولة، كقواعد القانون المدني والتجاري والجنائي والقوانين المالية..الخ. وهناك اتفاق في فقه القانون الدستوري بأنه لا يترتب على نجاح الثورة أي مساس بتلك القواعد، وتبقى نافذة المفعول إلى أن يتم إلغاؤها أو تعديلها من قبل المشرع الجديد، سواء بطريق صريح أو بطريق ضمني. وهذا يتوقف بطبيعة الحال، على الفلسفة القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي جاءت بها الثورة ومدى انسجام أو تعارض تلك التشريعات مع هذه الفلسفة. وبقاء هذه التشريعات وعدم تأثرها بالثورة يعتبر نتيجة منطقية لمبدأ مقرر ومسلم به وهو مبدأ استمرارية الدولة بالرغم ما يتتابع عليها من أنظمة سياسية.
تحيات مهدي موجاج
طرق تعديل الدساتير ونهايتها 41821011
الأستاذ : موجاج مهدي
الأستاذ : موجاج مهدي
Admin

عدد المساهمات : 421
نقاط : 1221
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 05/12/2010
العمر : 36
الموقع : facebook : mehdi hypotep

https://droit-khenchela.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى