التحقيق القضائي
صفحة 1 من اصل 1
التحقيق القضائي
الفرع الثاني: حدود الخبرة
الخبير لا يتعرض إلا للمسائل الواقعية فقط: الفنية أو العلمية فلا يتعرض للمسائل القانونية ولا يجوز للقاضي التنازل له عنها،كما لا يجوز للخبير أن يتطرق إلى تكييف علاقة قانونية و رغم أن المشرع المصري لم ينص صراحة على مبدأ العمل الفني لكن القضاء المصري أكده حيث قضت محكمة النقض في حكم لها أن القاضي العام يجوز له الاستعانة بالخبير في المسائل القانونية التي لا يفترض علمه بها وأكدت في حكم آخر أن مهمة الخبير تقتصر على تحقيق الواقعة في الدعوى القضائية دون المسائل القانونية()،وهذا ما أكده القضاء الفرنسي لذلك كان يرفض اعتماد الخبرة في الدعاوى الإدارية الرامية إلى فحص المشروعية و إلغاء القرار المطعون فيه لتجاوز السلطة باعتبارها مسألة قانونية تخرج عن حدود الخبرة إلا إذا كان تقدير تجاوز السلطة في القرار المطعون فيه متعلق بمسالة وقائع ،وإذا تعدى الخبير حدود المهمة المسندة إليه فإن ذلك لا يؤثر في صحة الحكم الذي يقتصر على استعمال العناصر التحقيقية لوحدها والتي يحتويها التقرير().
يلاحظ من خلال بعض التطبيقات القضائية أنه أحيانا يأمر القاضي الإداري في الجزائر الخبير بمحاولة التدخل في النزاع والصلح بين الأطراف()ونحن نعتقد أن ذلك تجاوز لحدود الخبرة وهذا ما تمت ملاحظته من خلال العديد من الأحكام القضائية الإدارية نذكر منها على سبيل المثال :
قرار مجلس الدولة : " ....-من حيث الموضوع........
2- قبل الفصل في الموضوع الآمر بإجراء خبرة وتعين لذلك السيد(غ.ج) الخبير من أجل محاولة الصلح بين الأطراف إذا أمكن ذلك..." ().
وفي قرار آخر :" ... في الموضوع : بإلغاء القرار المستأنف ... وقبل الفصل في الموضوع يتعين نتعيين الخبير وإسناد له المهمة التالية:" الانتقال المتنازع عليها رفقة الأطراف ومحاولة الصلح بينهم إذا أمكن ()
وقد أجاز البعض أن يعطي القاضي للخبراء بصفة احتياطية مهمة الصلح بين الأطراف إن أمكن فهم يتصرفون هنا كمفوضين للصلح ولا يجوز لهم بأي حال من الأحوال أن يفرضوا على الأطراف الحل الودي لنزاعهم بل يقتصر دورهم على اقتراح حل مصالحة وتحرير محضر الاتفاق الذي حصل تحت رعايتهم مع توقيع الأطراف ليصبح عقدا قضائيا() وإذا استحال الصلح يقوم الخبير بتسجيله في تقريره.
الخبرة الطبية أمام القضاء الإداري:
يمكن للقضاء الإداري أن يأمر بخبرة طبية في حالات الأضرار المادية التي تثير مسئولية الإدارية يمكن الحديث عن مسئولية المستشفيات العامة ،ونذكر أن كل حوادث المرور، بما فيها التي تسبب فيها سيارة تابعة للإدارة يختص بها القضاء العادي في ق.إ.م القديم الذي سمح يتوحيد قواعد التعويض في المسألة.
- إذا كان اختيار الخبير يعود لارادة القاضي فالقضاء الإداري عادة يلجأ للخبراء الذين يعرفهم ولديه قائمة غير رسمية بهم مبدئيا يعين خبير واحد والخبرة الطبية التي تنظر في المسؤولية الطبية لها طابع مزدوج ،
فهي من ناحية الضحية المدعي تنصب على إثبات الضرر المادي المدعى به و من جانب آخر فهذه الخبرة من جهة الطبيب او المؤسسة العلاجية المدعي عليه فالطبيب الخبير عليه أن يحلل العناصر الطبية للحادثة حتى يقرر من جهة بتسببها في الضرر الحاصل (علاقة السببية) تسبب العمل الطبي في الضرر ومن جهة أخرى إثبات خطا طبي يثير مسئولية الطبيب و التي يمكن التأسيس عليها الإثارة المستولية الجنائية للطبيب المخطئ()
المبحث الثالث :تنفيذ الخبرة وآثارها
متى توافرت شروط الحكم بالخبرة وصدوره وإعلام الخبير وإيداع التسبيق() يباشر الخبير عمله ورغم ذلك لا تنجز الخبرة إلا بمساهمة الأطراف الثلاث: المحكمة، الخصوم والخبير.
المطلب الأول: دور المحكمة و الخصوم في الخبرة وإمكانية الصلح
الفرع الأول: دور المحكمة:
لا يتوقف دور القاضي عند تعيين الخبير، فالبرجوع إلى القانون 09-08 نجده ينص على عدة إجراءات والتزامات تقع على القاضي أهمها:
دعوة الخبير والأطراف إلى اجتماع يتم تحديد زمانه ومكانه وقد أجازكل من المشرع الجزائري والفرنسي عقد اجتماع يضم أطراف الخصومة والخبير في جلسة أين يتم تحديد النقاط الواجب تسليط الخبرة عليها والأجل الممنوح للخبير وذلك بحضور القاضي الآمر بالخبرة أو قاض يشرف على تنفيذها()، هذا الاجتماع تبين فيه العناصر التي سوف نتناولها الخبرة إعمالا لمبدأ المواجهة بين الخصوم.
الإشراف على عمليات الخبرة وفقا لما تنص عليه المادة 91 من القانون 09-08: الأصل أن جميع الأعمال التي يقوم بها الخبير تنفيذا لحكم الخبرة يؤديها تحت إشراف المحكمة إلا إذا اقتضت طبيعة الخبرة غير ذلك كأن يكون محل الخبرة فحص طبي().،وأهم مهام القاضي في هذا الإطار ويتيح المشرع الجزائري والفرنسي للقاضي حضور أعمال الخبرة وإبداء ملاحظاته وتوقيع محضر بذلك مع تقديم الخبير للشروحات اللازمة وتصريحات الغير أو الأطراف ويوقع الخبير والقاضي على هذا المحضر().
3-متابعة التدابير التي تسهل مهمة الخبير كالتأكيد على دفع التسبيق، ويلتزم الخبير باطلاع القاضي بكل إشكال يعترضه()، وإلزام الخصوم بتسليمه الوثائق والمستندات الضرورية لإجراء الخبرة ويمكن في حالة رفضهم أن يصدر أمر تحت طائلة الغرامة التهديدية ويمكن في حال امتناعهم أن يستخلص الآثار القانونية المترتبة على عدم التسليم().
الفرع الثاني : دور الخصوم في الخبرة
تجري عمليات الخبرة في التاريخ الذي بلغ به الخبير الخصوم حيث يقع على عاتقه إعلام الأطراف بيوم وساعة وماكن إجراء الخبرة عن طريق محضر قضائي(). وذلك تكريسا لمبدأ المواجهة )Le Principe de Contradictoire( الذي يحكم إجراءات التقاضي ونص عليه المشرع الجزائري في المادة 03/03 من القانون 09-08 ويسميه "مبدأ الوجاهية"ويعتبر من حقوق الدفاع().
وإخطار الخصوم من طرف الخبير يخضع لمراقبة قاضي الموضوع بما فيه قاضي الاستئناف النقض شرط أن يعبر عنه الأطراف ويعرض الخبرة إلى الإبطال(). بل إن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أدانت القضاء الفرنسي لعدم احترامه لهذا المبدأ في قضية خبرة طبية واستندت في حكمها لإبطال القرار القضائي إلى المادة 06/1 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تمنح لكل شخص الحق في محاكمة عادلة(). ويمكن للأطراف حضور الخبرة شخصيا إلا إذا تعذر ذلك بسبب طبيعة الخبرة كأن يكون محلها كشف طبي، كما يمكن للأطراف الاطلاع على ما مع الخبير من مستندات بنى عليها خبرته ولهم الحق بإبداء آرائهم وتعليقاتهم مكتوبة أو شفوية() ويلتزم الخبير بإجابتهم لأنه ملزم بأداء الخبرة بشكل ودي وحيادي وعليه تسجيل ملاحظات الخصوم في تقريره النهائي أو على الأقل في المحضر الذي يعدونه لذلك()،و في غير حالات الاستعجال يتم إخطار الخصوم قبل اليوم المحدد لإجراء الخبرة بـ(05)خمسة أيام على الأقل برسالة موصى عليها بإشعار للوصول().
الفرع الثالث:إمكانية الصلح
أحيانا لا تتوج أعمال الخبير بالتقرير الذي يتضمن أعمال التي كلف بها فيمكن إذا تبين له أن مهمته أصبحت بدون موضوع بسبب تصالح الخصوم يتعين عليه إخبار القاضي بموجب تقرير() لكن هذا الاحتمال يظل استثنائيا() ويمكن التساؤل في هذا الإطار هل أن المادة 142 من القانون 09-08 تعطي للخبير رخصة الصلح بين الأطراف تكريسا لما درج علبيه القضاء العادي والإداري حتى قضاء مجلس الدولة الذي يعتبرأن تجاوز الخبير لحدود مهامها المتمثلة في مساعدة القاضي على الفهم الشامل لعناصر القضية أمر غير جائز() إلا أنه صدرت له قرارات طلبت من الخبير المصالحة بين الخصوم ،و هناك العديد من التشريعات تيمنع الخبير من التدخل وإجراء مصالحة بين الخصوم() .
المطلب الثاني :الشروع في عمليات الخبرة
وفي الواقع أن سير الخبرة لا تحكمه إجراءات بمعنى الكلمة طالما أن الخبير له الحرية الكاملة في كيفية أداء مهمته وعليه التزام بالتحقيق في الوقائع المتصلة بمجاله العلمي والتقني ولم يحدد المشرع الجزائري أجلا بالبدء في الخبرة لكنه نص على أن الخبير يمكنه أن يطلب من الخصوم المستندات التي يراها ضرورية لإنجاز مهمته دون تأخير() عمليا يشرع الخبير في مهمته فورا لأنه مقيد بأجل ومن مصلحته إنجاز الخبرة في وقتها دون تأخير تحت طائلة تحمل المصاريف وعند الاقتضاء الحكم عليه بالتعويضات المدنية واستبداله(). هذ1ا فضلا عن تعرضه لعقوبة تأديبية لن تأخيره دون مبرر مقنع ودون طلب مهلة إضافية من المحكمة يشكل خطأ مهنا().
وتختلف أعمال الخبرة في القضايا الإدارية حسب طبيعة النزاع فيمكن للخبير جمع المعلومات اللازمة والقيام بأعمال تدخل ضمن الدير الفني وأهم هذه الأعمال التي تباشر في القضايا الإدارية:
-سماع الخصوم حول ما يدخل في نطاق مهمته وأي شخص آخر من شانه أن يساعده في إنجاز مهمته، وعليه عند تحرير تقرير الخبرة أن يذكر كل المعلومات المتعلقة بهذا الشخص ويمكن للخصوم سماعه ومناقشة معلوماته حتى وإن كانت مكتوبة ويسميهم المشرع الفرنسي (Les Sachants) وهم أشخاص مطلعون على أمور متصلة بالخبرة ولكن لا يحق للخبير سماع الشهود.
-الاستعانة إذا دعت الضرورة بمترجم من اختيار الخبير أو القاضي() وتجيز بعض التشريع استعانة الخبير بخبير آخر شرط أن يكون من اختصاص مغاير،واعتبر الفقه هذا العمل من يباب الاستشارة(). وهذا موقف المشرع الفرنسي(). ويمتنع الخبير عن تكليف غيرة بأعمال الخبرة وهو ملزم بالسر المهني().
-الانتقال إلى أماكن الأشغال ومعاينة نسبة تقدم الإنجاز وهذا وارد في نزاعات الصفقات العمومية وعقود الأشغال العامة ويمكن للخبير تقدير المبلغ المستحق()، وإنجاز حسابات متعلقة بالنزاع().
-كما يمنكن للخبير تقدير الأضرار بالتي يلحق بالعقارات منزوعة الملكية والقاضي الإداري يتمتع بسلطة واسعة في تقدير مدى الأضرار وقضاء نزع الملكية أهم منازعاته التعويض، وعادة يتم تعيين خبير خاصة إذا كان تقدير التعويض يتوقف على موقع العقار ومساحته وقت وقوع النزاع().
ويجوز تعيين خبير في قضايا نزع الملكية(). لاسيما أن قانون 91/11 المؤرخ في 1991 المتضمن تحديد القواعد المتعلقة بنوع الملكية للمنفعة العامة لم يحدد كيفية حساب التعويض وتحديده(). وموضوع التعويض العادل هو محل الخلاف الجوهري بين الإدارة وملاك ومنازعات التعويض تحتاج لقاض مدرك لحقيقة الواقع والقانون وذلك طبقا لمبادئ أهمها: معادلة التعويض لقيمة أو ثمن العقار المنزوع وعدم جواز حبس التعويض الذي قدره الخبير متى كان عمله أصبح نهائيا().
-في قضايا التعدي على ملكية خاصة من طرف هيئة عمومية (بلدية) لإثبات حالة التعدي وتقدير التعويض().
-الأشغال العامة التي تلحق أضرار بالمواطنين حيث يكلف الخبير بتقدير حجم الضرر واقتراح التعويض() في تحديد أصل الملكية أعطى مجلس الدولة للخبير مهمة تحديد أصل قطعة أرضية في ظل تطور التشريع الجزائري للملكية العقارية(). في مجال المسؤولية الإدارية على الأخطاء الطبية، هناك المئات من قرارات مجلس الدولة الفرنسي بذا الخصوص وبعض التطبيقات القضائية لمجلس الدولة الجزائري وعموما تتمثل مهمة الطبيب الخبير في الأمور الآتية:دعوة الأطراف: الضحية، ممثلي المستشفى المدعى عليه، وتسلم المستندات وإجراء الكشف الطبي للضحية بحضور محاميه أو حتى طبيبه الخاص واستجواب الطبيب المريض.
والخبرة في المجال الطبي مرحلة حاسمة وهي أبضا تخضع لمبدأ المواجهة وإن كان يلاحظ من الناحية العملية أن الخبرة عادة تكون سرية ومن جانب واحد إذ لا يوجد تمثيل للضحية أثناء إجراءها.
المطلب الثالث:إعداد تقرير الخبرة:
تتوج أعمال الخبير بتحرير تقرير يعرف بتقرير الخبرة ويجب أن يكون كتابيا، والطابع التقني للتقرير أمر مؤكد عليه ولا يمكن بحال من الأحوال أن يتضمن تقرير الخبرة مسائل قانونية.
الفرع الأول:مضمون التقرير: يتضمن تقرير الخبرة:
أقوال وملاحظات الخصوم ومستنداتهم وعرض تحليلي عما قام به وعاينه الخبير في حدود المهمة المسندة إليه ونتائج الخبرة والتقرير يتصف بالصفة الشخصية لأنه يعبر عن وجهة نظر الخبير ويجب أيضا أن يتسم بالجزم واليقين فالأحكام لا تبنى على الشك ،ويجب على الخبير تقديم التقرير لدى أمانة المحكمة ( المجلس القضائي أو مجلس الدولة بالنسبة للقضايا الإدارية )، وذلك في الآجال المحددة ولا يتأخر إلا بوجود مبرر مقنع وإلا جاز استبداله واعتبار ذلك خطأ تأديبي .وإن تقرير الخبير يضم نوعين من المعلومات:معلومات متعلقة بأقوال الخصوم وملاحظاتهم ومستنداتهم وما قام به الخبير من أعمال ويمكن إطلاع الأطراف عليها،ومعلومات يفترض أنها سرية وهي المتعلقة بنتائج الخبرة ،وفي حالة تعدد الخبراء، يلتزمون بتقديم تقرير واحد، وإذا لم يتفقوا وجب عليهم تسبب ذلك وهذا ما نصت عليه المادة 127/2 من القانون 08.09 فانعدام الإنفاق على تقرير واحد يكشف تباعد الآراء، ويلاحظ أن المشرع الجزائري لم يحدد نصاب الإنفاق على التقرير الواحد إن أمكن.وويلتزم الخبير بالحضور أمام المحكمة لتقديم التوضيحات اللازمة بشأن التقرير حيث يمكن استداؤه بحضور الأطراف، وعدم حضوره يعد خطأ مهنيا والهدف من حضوره هو إعطاء توضيحات تكميلية شفوية .
الفرع الثاني :حجية تقرير الخبرة:
إن حرية القاضي في نعيين خبير من عدمه تحكمها حاجته إلى مساعدة من تقني متخصص بوضع له نقاط غامضة ووقائع قد يكون لها طابع علمي أو فني ليتمكن من تطبيق القانون والفصل في الموضوع لكن يبقى تقرير الخبير غير ملزم للقاضي فيمكنه الأخذ به أو استبعاده، أو الآخذ بجزء منه فقط فنكون بعد إيداع تقرير الخبرة أمام ثلاث احتمالات:
الاحتمال الأول: اعتماد الخبرة كاملة :أغلب الأحيان يأخذ القاضي الإداري لتقرير الخبرة طالما أن المسألة محل الخبرة فنية تخرج عن اختصاص القاضي بل إن قضاء المحكمة العليا عن القاضي على الالتزام بهذا النوع من التقرير ،وقد وردت العديد من الأحكام القضاء الإداري التي استندت على الخبرة للفصل في النزاع وإن كان هذا الإلزام لا يكتسي الطابع القانوني، إن أن نص المادة 141 يتيح للقاضي سلطة تقدير نتائج الخبرة.
وباعتماد تقرير الخبرة يصبح مرجعية في تسبب الحكم في الموضوع ونذكر منها:
" – حيث أنه.....يستخلص من القرار المطعون فيه أن قضاة الدرجة الأولى قد سببوا قرارهم بما فيه الكفاية وأسسوا قضاءهم على التقرير الطبي المحرر من طرف الخبير الطبيب...وبالتالي فقد بين الطبيب الخطأ الطبي المرتكب والمدون في تقريره.." .
الاحتمال الثاني: أن تكون الخبرة ناقصة :قد يلجا القاضي إلى اعتماد جزء فقط من التقرير إذا رأت أن الخبرة لم توضح كل جوانب الغموض التي طلب من الخبير توضيحها، فيلجأ القاضي إلى استكمال الخبرة بإجراءات تحقيقية أخرى مكملة كالمعانية وهذا ما أكده القضاء الإداري في عدة أحكام نذكر منها:
"...حيث أن الخبرة المأمور بها من المحكمة العليا ( الغرفة الإدارية) لم تنر كفاية المحكمة فيما يتعلق بشكل الأمكنة وحقوق كل واحد من الأطراف.."...حيث أنه تم المر بالانتقال نفس المحكمة العليا إلى الأمكنة للمعاينة....وفي الموضوع رفض تقرير الخبيرو الأمر بخبرة مضادة" " ،ونكون أمام هذه الحالة عندما أيضا تكون الخبرة ناقصة أو أنها اقترحت حلا غير عادل في التقرير كالمبالغة في تقدير قيمة التعويض أو حجم الضرر أو أن الخبرة أنجزت من طرف عدة خبراء وكانت متناقضة أو متفاوتة، فيلجأ القاضي إلى ما يعرف بالخبرة المضادة، ومن أمثلة الأحكام الإدارية في هذا المجال:
" حيث أنه وبالفعل فإن المبلغ الممنوح لا يتطابق والتقييم الذي اقترحه الخبرات الثلاث المعنية على التوالي، ومن جهة أخرى توصلت الخبرات الثلاث المنجزة إلى تقسيمات مختلفة...يتعين ولحسن سير العدالة وتبعا لظروف القضية الاستجابية لطلب الأطراف وتعيين خبير ليقوم بالمهمة نفسها ( تحيدي الأرض المنزوعة الملكية وتحديد مبلغ التعويض" .
الفرع الثاني : بطلان تقرير الخبرة:
أولا : الطعن بالبطلان و أسبابه :لم ينص المشرع الجزائري في قانون 08.09 على بطلان تقرير الخبرة إلا في حالة واحدة نصت عليها المادة 140/2 وهي الحالة التي تترتب على تلقي الخبير المقيد في قائمة الخبراء التسيقات عن الأتعاب والمصاريف مباشرة من الخصوم ،لكن الطعن في التقرير الخبير يمكن أن يكون لأسباب أخرى وهي أسباب بطلان الأعمال الإجرائية التي نصت عليها المواد 60 وما يليها من القانون 09-08حيث تقرر أن بطلان الخبرة كإجراء تحقيقي شكلا لا يقرر إلا بنص و على من يتمسك به أن يثبت الضرر الذي لحقه،و يجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيح الخبرة ، وقد قضى القضاء المصري ببطلان الخبرة لعدة أسباب من بينها تقدير الخبير ريع الأطيان دون أن يعاينها،وتقوم المحكمة عادة بتزويد الأطراف بنسخة من تقرير الخبير ويتلى أمامهم من طرف القاضي ولهم الحق في الاعتراض عليه.
لكن المشرع الجزائري نص صراحة على أنه لا يمكن أن تشكل المناقشات المتعلقة بعناصر الخبرة ويقصد تقرير ونتائجها أسبابا للاستئناف الحكم أو الطعن فيه بالنقض، وقد تقرر هدا الحكم في المادة81 من القانون 09-08 بالنسبة لكل إجراءات التحقيق، إذا لم تكن قد أثيرت مسبقا أمام الجهات القضائية التي فصلت في نتائج الخبرة، على أنه يجوز للأطراف مناقشة التقرير والاعتراض عليه أمام القاضي قبل الحكم في الموضوع هذا خلافا لقانون الإجراءات المدنية القديم الذي كان يجيز الطعن في تقرير الخبرة مستقلا عن الحكم في الموضوع.
ولئن كان التعديل يصب في تفادي المصاريف والدعاوي القضائية إلا أن بعض الفقه يرى أن حق الطعن في تقرير الخبير أمام محاكم الموضوع بدرجاتها المختلفة هو جزء من حقوق الدفاع ينبغي تمكين الخصوم منها ،إلا أنه من جانبنا نرى أن نص المادة 145/2 منطقي فإذا أبدى الخصوم الاعتراض على تقرير الخبرة أمام القاضي فهذا من حقه ويمكن لهذه النقطة في القضايا الإدارية، فإذا لم يستعمل الخصم هذا الحق عند نظر القضية أمام القاضي الإداري لأول مرة، فلا يحق له إثارتها أمام مجلس الدولة لأنها ستعتبر طلبا جديدا ولن يلتفت إليه، وقد أكد هذا الرأي القضاء المصري في العديد من الأحكام منذ ما يقرب عن قرن ويمكن الطعن ببطلان تقرير الخبرة إذا شاب إجراءاته عيب جوهري ترتب عليه ضرر للخصم كأن يحدد الخبير يوما لاجتماعه بالخصوم ثم يقدمه أو يؤخره دون علمهم ولكن يشترط أن يثبت الطاعن صحة ما يدعيه أو في حالة الطعن بالتزوير،ويعتبر باطل كل تقرير يقدم تلقائيا من قبل الخبراء ومحاولا أن يغير خلاصتهم الأولى، ويجوز للقاضي على سبيل الاستدلال بخبرة باطة، إذا كان تتناول أو تكمل خبرة سابقة آمر بها في نزاع جمع بين نفس الأطراف وعدم صحة الخبرة إذا كانت تؤدي إلى بطلانها يجب إثارتهما حينها عند الفصل في الموضوع حتى ولو كان الخبير تناول نقاطا قانونية
ثانيا : آثار البطلان: إذا قررت المحكمة بطلان الخبرة يمكنها الأمر بخبرة جديدة أو تقض في الموضوع وفقا ما تراه من أسانيد بحيث لن يكون التقرير أساس لقرارها فكل تقرير باطل يفقد كل قيمة، وإن كان كما أشرنا يجيز البعض تجزئة التقرير بإبطال شق منه فقط .
ثالثا: متابعة القضية: يرفع التقرير ويبلغ من قبل الطرف الأكثر استعجالا وتوضع القضية في جدول القاضي وفي الحالات الاستعجالية، يمكن الفصل بمجرد إيداع التقرير لدى كتابة الضبط ،والقضاة غير ملزمين برأي الخبير ( المادة 54 من ق إ م القديم) وتتخذ إجراءات إعادة السير في الدعوى وفقا لما ينص عليه القانون 09-08،وو بالنسبة للغير التقرير ليس له حجية في مواجهة الغير ولا حتى الطرف الذي جاءه لاحقا على إيداع التقرير،ويمكن للقاضي أن يستعمل خبرة أنجزت بين نفس الأطراف بمناسبة قضية أخرى وأيضا استعمال خبرة أنجزت بين الأطراف والغير في نزاع أخر على سبيل الاستعلام
الفرع الثالث : مسئولية الخبير و أتعابه
أولا : مسئولية الخبير:لا يتمتع الخير في ممارسة مهامه بأية حصانة وهو يخضع لقواعد المسؤولية المدنية (م 124 ق م) ويتحمل الأخطاء التي يرتكبها أثناء ممارسة مهامه لكنه غير مسئول عن الحكم الذي صدر استنادا لخبرته إلا إذا ارتكب أخطأ ظاهرة وهو عادة مغطى بالحكم اللاحق على خبرته
ثانيا: أتعاب الخير:القاضي يأمر بإيداع تسبيق أولي مخصصة لأتعاب الخبير والمصاريف التي يبذلها وبعد إتمام مهمته فإنه يقدم كشفا فيه كل المصاريف التي أنجزتها للإتمام مهمته مبررا كل مبلغ للقاضي الذي يحدد أتعاب الخبير بحسب حرصه واحترامه للآجال المحددة ونوعية العمل المقدم و لا يوجد هناك سلم للأتعاب ويسمح القاضي للخبير ببعض الأموال التي تم إيداعها كتسبيق إلى فإذا كانت أتعابه أقل من مبلغ التسبيق، فالباقي يعاد إلى الطرف أو الأطراف الذين دفعوه أما إذا كان العكس فإن القاضي يأمر بإيداع المبلغ التكميلي ويعين أجلا ولكن إذا حدد القاضي مبلغا أقل مما طلبه الخبير، فعليه أن يحترم ويصدر أمرا تنفيذيا بأداء المبلغ المتبقي للخبير،والناحية العملية لا يستطيع الخبير تقدير أتعابه إلا بعد تمام الخبرة ليقدم للقاضي اقتراحات بذلك، فما الجدوى من عبارة " يودع الخبير تقريره على الحالة التي عليها ويستغنى عما تبقى من إجراءات " طالما أن الخبير يكون قد أتم الخبرة وبالتالي فنص المادة 139/2 من القانون 09/08 سيكون معطلا، فالقاضي هو الذي يحدد أتعابه أو مكافأته بعد إيداع التقرير أ ويمنع أداء أي أتعاب أو مصاريف مباشرة إلى الخبير من طرف الخصوم وإذا قبلها الخبير المقيد في الجدول فإنه يعاقب بالشطب من خاتمة الخبراء وبطلان الخبرة.
خاتمة
جاء قانون الإجراءات المدنية و الإدارية في ثوب تقنين عملاق بعد طول انتظار وتضمن أزيد من ألف مادة من بينها التدابير و الإجراءات التحقيقية التي تمثل الخبرة القضائية الجانب الأهم منها ،ويمكن القول أنه بخصوص هذه النقطة احتفظ المشرع الجزائري ببعض النصوص القديمة مع استحداث نصوص جديدة ويلاحظ أن قانون 09-08 تضمن الأمور التالية في مادة الخبرة القضائية :
-الخبرة القضائية إجراء مشترك يعتمد عليها القاضي العادي و القاضي الإداري و هي إجراء اختياري.
-توسيع سلطات القاضي وامتداد الحالات التي يلجأ فيها إلى الخبراء وكثرة التدابير الممنوحة للقضاة تفاديا لضياع الوقت و المصاريف من غير طائل.
-إدراج المشرع لوسائل تقنية لهاإمتداد وتعقيد متصاعد بفضلها يمكن للقاضي أن يلجأ إلى شخص مؤهل للحصول على المعلومات التقنية اللازمة دون تحريك آلية بطيئة و مكلفة ومرهقة حيث يقوم الخبراء ببحوث و تحاليل أكثر تعقيدا و تتمثل هذه الوسائل في المعاينة ،الاستشارة و الخبرة.
-إن واضعي التعديل فكروا في ضرورة تكريس تطورات هامة في إجراءات التحقيق وكرست لها العشرات من المواد إلا أنه يمكن القول أن هناك اتجاه لتفادي اللجوء إلى الخبرة .
-المشرع الجزائري اقتبس كعادته النصوص الخاصة بالخبرة القضائية من آخر تعديل قانون الإجراءات المدنية الفرنسي وعموما فهي ملمة بهده المهمة التي رغم محاولة تفاديها باستقراء النصوص إلا أنها سوف لن يتم التراجع عنها خاصة بالنسبة للمنازعات الإدارية التي تصعب فيها الوساطة و التحكيم و المعاينة و الصلح ،و الدليل على ذلك مئات الآلاف من القرارات القضائية عن مجلس الدولة الفرنسي التي يلجأفيها للخبرة أمام عجز الوسائل الأخرى.
-استحدث المشرع الجزائري تدابير خاصة بإيداع تسبيق موجه لتغطية أتعاب الخبير كما أقر عدم جواز الطعن في الخبرة إلا مع الحكم الفاصل في الموضوع وهي نقطة جد إيجابية،ويمكن الاعتقاد أن مشرعنا وفق إلى حد بعيد في إحكام الإجراءات التحقيقية مع بعض الملاحظات التي تم إبداؤها في هذا البحث ينبغي الحرص على تداركه.
الخبير لا يتعرض إلا للمسائل الواقعية فقط: الفنية أو العلمية فلا يتعرض للمسائل القانونية ولا يجوز للقاضي التنازل له عنها،كما لا يجوز للخبير أن يتطرق إلى تكييف علاقة قانونية و رغم أن المشرع المصري لم ينص صراحة على مبدأ العمل الفني لكن القضاء المصري أكده حيث قضت محكمة النقض في حكم لها أن القاضي العام يجوز له الاستعانة بالخبير في المسائل القانونية التي لا يفترض علمه بها وأكدت في حكم آخر أن مهمة الخبير تقتصر على تحقيق الواقعة في الدعوى القضائية دون المسائل القانونية()،وهذا ما أكده القضاء الفرنسي لذلك كان يرفض اعتماد الخبرة في الدعاوى الإدارية الرامية إلى فحص المشروعية و إلغاء القرار المطعون فيه لتجاوز السلطة باعتبارها مسألة قانونية تخرج عن حدود الخبرة إلا إذا كان تقدير تجاوز السلطة في القرار المطعون فيه متعلق بمسالة وقائع ،وإذا تعدى الخبير حدود المهمة المسندة إليه فإن ذلك لا يؤثر في صحة الحكم الذي يقتصر على استعمال العناصر التحقيقية لوحدها والتي يحتويها التقرير().
يلاحظ من خلال بعض التطبيقات القضائية أنه أحيانا يأمر القاضي الإداري في الجزائر الخبير بمحاولة التدخل في النزاع والصلح بين الأطراف()ونحن نعتقد أن ذلك تجاوز لحدود الخبرة وهذا ما تمت ملاحظته من خلال العديد من الأحكام القضائية الإدارية نذكر منها على سبيل المثال :
قرار مجلس الدولة : " ....-من حيث الموضوع........
2- قبل الفصل في الموضوع الآمر بإجراء خبرة وتعين لذلك السيد(غ.ج) الخبير من أجل محاولة الصلح بين الأطراف إذا أمكن ذلك..." ().
وفي قرار آخر :" ... في الموضوع : بإلغاء القرار المستأنف ... وقبل الفصل في الموضوع يتعين نتعيين الخبير وإسناد له المهمة التالية:" الانتقال المتنازع عليها رفقة الأطراف ومحاولة الصلح بينهم إذا أمكن ()
وقد أجاز البعض أن يعطي القاضي للخبراء بصفة احتياطية مهمة الصلح بين الأطراف إن أمكن فهم يتصرفون هنا كمفوضين للصلح ولا يجوز لهم بأي حال من الأحوال أن يفرضوا على الأطراف الحل الودي لنزاعهم بل يقتصر دورهم على اقتراح حل مصالحة وتحرير محضر الاتفاق الذي حصل تحت رعايتهم مع توقيع الأطراف ليصبح عقدا قضائيا() وإذا استحال الصلح يقوم الخبير بتسجيله في تقريره.
الخبرة الطبية أمام القضاء الإداري:
يمكن للقضاء الإداري أن يأمر بخبرة طبية في حالات الأضرار المادية التي تثير مسئولية الإدارية يمكن الحديث عن مسئولية المستشفيات العامة ،ونذكر أن كل حوادث المرور، بما فيها التي تسبب فيها سيارة تابعة للإدارة يختص بها القضاء العادي في ق.إ.م القديم الذي سمح يتوحيد قواعد التعويض في المسألة.
- إذا كان اختيار الخبير يعود لارادة القاضي فالقضاء الإداري عادة يلجأ للخبراء الذين يعرفهم ولديه قائمة غير رسمية بهم مبدئيا يعين خبير واحد والخبرة الطبية التي تنظر في المسؤولية الطبية لها طابع مزدوج ،
فهي من ناحية الضحية المدعي تنصب على إثبات الضرر المادي المدعى به و من جانب آخر فهذه الخبرة من جهة الطبيب او المؤسسة العلاجية المدعي عليه فالطبيب الخبير عليه أن يحلل العناصر الطبية للحادثة حتى يقرر من جهة بتسببها في الضرر الحاصل (علاقة السببية) تسبب العمل الطبي في الضرر ومن جهة أخرى إثبات خطا طبي يثير مسئولية الطبيب و التي يمكن التأسيس عليها الإثارة المستولية الجنائية للطبيب المخطئ()
المبحث الثالث :تنفيذ الخبرة وآثارها
متى توافرت شروط الحكم بالخبرة وصدوره وإعلام الخبير وإيداع التسبيق() يباشر الخبير عمله ورغم ذلك لا تنجز الخبرة إلا بمساهمة الأطراف الثلاث: المحكمة، الخصوم والخبير.
المطلب الأول: دور المحكمة و الخصوم في الخبرة وإمكانية الصلح
الفرع الأول: دور المحكمة:
لا يتوقف دور القاضي عند تعيين الخبير، فالبرجوع إلى القانون 09-08 نجده ينص على عدة إجراءات والتزامات تقع على القاضي أهمها:
دعوة الخبير والأطراف إلى اجتماع يتم تحديد زمانه ومكانه وقد أجازكل من المشرع الجزائري والفرنسي عقد اجتماع يضم أطراف الخصومة والخبير في جلسة أين يتم تحديد النقاط الواجب تسليط الخبرة عليها والأجل الممنوح للخبير وذلك بحضور القاضي الآمر بالخبرة أو قاض يشرف على تنفيذها()، هذا الاجتماع تبين فيه العناصر التي سوف نتناولها الخبرة إعمالا لمبدأ المواجهة بين الخصوم.
الإشراف على عمليات الخبرة وفقا لما تنص عليه المادة 91 من القانون 09-08: الأصل أن جميع الأعمال التي يقوم بها الخبير تنفيذا لحكم الخبرة يؤديها تحت إشراف المحكمة إلا إذا اقتضت طبيعة الخبرة غير ذلك كأن يكون محل الخبرة فحص طبي().،وأهم مهام القاضي في هذا الإطار ويتيح المشرع الجزائري والفرنسي للقاضي حضور أعمال الخبرة وإبداء ملاحظاته وتوقيع محضر بذلك مع تقديم الخبير للشروحات اللازمة وتصريحات الغير أو الأطراف ويوقع الخبير والقاضي على هذا المحضر().
3-متابعة التدابير التي تسهل مهمة الخبير كالتأكيد على دفع التسبيق، ويلتزم الخبير باطلاع القاضي بكل إشكال يعترضه()، وإلزام الخصوم بتسليمه الوثائق والمستندات الضرورية لإجراء الخبرة ويمكن في حالة رفضهم أن يصدر أمر تحت طائلة الغرامة التهديدية ويمكن في حال امتناعهم أن يستخلص الآثار القانونية المترتبة على عدم التسليم().
الفرع الثاني : دور الخصوم في الخبرة
تجري عمليات الخبرة في التاريخ الذي بلغ به الخبير الخصوم حيث يقع على عاتقه إعلام الأطراف بيوم وساعة وماكن إجراء الخبرة عن طريق محضر قضائي(). وذلك تكريسا لمبدأ المواجهة )Le Principe de Contradictoire( الذي يحكم إجراءات التقاضي ونص عليه المشرع الجزائري في المادة 03/03 من القانون 09-08 ويسميه "مبدأ الوجاهية"ويعتبر من حقوق الدفاع().
وإخطار الخصوم من طرف الخبير يخضع لمراقبة قاضي الموضوع بما فيه قاضي الاستئناف النقض شرط أن يعبر عنه الأطراف ويعرض الخبرة إلى الإبطال(). بل إن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أدانت القضاء الفرنسي لعدم احترامه لهذا المبدأ في قضية خبرة طبية واستندت في حكمها لإبطال القرار القضائي إلى المادة 06/1 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تمنح لكل شخص الحق في محاكمة عادلة(). ويمكن للأطراف حضور الخبرة شخصيا إلا إذا تعذر ذلك بسبب طبيعة الخبرة كأن يكون محلها كشف طبي، كما يمكن للأطراف الاطلاع على ما مع الخبير من مستندات بنى عليها خبرته ولهم الحق بإبداء آرائهم وتعليقاتهم مكتوبة أو شفوية() ويلتزم الخبير بإجابتهم لأنه ملزم بأداء الخبرة بشكل ودي وحيادي وعليه تسجيل ملاحظات الخصوم في تقريره النهائي أو على الأقل في المحضر الذي يعدونه لذلك()،و في غير حالات الاستعجال يتم إخطار الخصوم قبل اليوم المحدد لإجراء الخبرة بـ(05)خمسة أيام على الأقل برسالة موصى عليها بإشعار للوصول().
الفرع الثالث:إمكانية الصلح
أحيانا لا تتوج أعمال الخبير بالتقرير الذي يتضمن أعمال التي كلف بها فيمكن إذا تبين له أن مهمته أصبحت بدون موضوع بسبب تصالح الخصوم يتعين عليه إخبار القاضي بموجب تقرير() لكن هذا الاحتمال يظل استثنائيا() ويمكن التساؤل في هذا الإطار هل أن المادة 142 من القانون 09-08 تعطي للخبير رخصة الصلح بين الأطراف تكريسا لما درج علبيه القضاء العادي والإداري حتى قضاء مجلس الدولة الذي يعتبرأن تجاوز الخبير لحدود مهامها المتمثلة في مساعدة القاضي على الفهم الشامل لعناصر القضية أمر غير جائز() إلا أنه صدرت له قرارات طلبت من الخبير المصالحة بين الخصوم ،و هناك العديد من التشريعات تيمنع الخبير من التدخل وإجراء مصالحة بين الخصوم() .
المطلب الثاني :الشروع في عمليات الخبرة
وفي الواقع أن سير الخبرة لا تحكمه إجراءات بمعنى الكلمة طالما أن الخبير له الحرية الكاملة في كيفية أداء مهمته وعليه التزام بالتحقيق في الوقائع المتصلة بمجاله العلمي والتقني ولم يحدد المشرع الجزائري أجلا بالبدء في الخبرة لكنه نص على أن الخبير يمكنه أن يطلب من الخصوم المستندات التي يراها ضرورية لإنجاز مهمته دون تأخير() عمليا يشرع الخبير في مهمته فورا لأنه مقيد بأجل ومن مصلحته إنجاز الخبرة في وقتها دون تأخير تحت طائلة تحمل المصاريف وعند الاقتضاء الحكم عليه بالتعويضات المدنية واستبداله(). هذ1ا فضلا عن تعرضه لعقوبة تأديبية لن تأخيره دون مبرر مقنع ودون طلب مهلة إضافية من المحكمة يشكل خطأ مهنا().
وتختلف أعمال الخبرة في القضايا الإدارية حسب طبيعة النزاع فيمكن للخبير جمع المعلومات اللازمة والقيام بأعمال تدخل ضمن الدير الفني وأهم هذه الأعمال التي تباشر في القضايا الإدارية:
-سماع الخصوم حول ما يدخل في نطاق مهمته وأي شخص آخر من شانه أن يساعده في إنجاز مهمته، وعليه عند تحرير تقرير الخبرة أن يذكر كل المعلومات المتعلقة بهذا الشخص ويمكن للخصوم سماعه ومناقشة معلوماته حتى وإن كانت مكتوبة ويسميهم المشرع الفرنسي (Les Sachants) وهم أشخاص مطلعون على أمور متصلة بالخبرة ولكن لا يحق للخبير سماع الشهود.
-الاستعانة إذا دعت الضرورة بمترجم من اختيار الخبير أو القاضي() وتجيز بعض التشريع استعانة الخبير بخبير آخر شرط أن يكون من اختصاص مغاير،واعتبر الفقه هذا العمل من يباب الاستشارة(). وهذا موقف المشرع الفرنسي(). ويمتنع الخبير عن تكليف غيرة بأعمال الخبرة وهو ملزم بالسر المهني().
-الانتقال إلى أماكن الأشغال ومعاينة نسبة تقدم الإنجاز وهذا وارد في نزاعات الصفقات العمومية وعقود الأشغال العامة ويمكن للخبير تقدير المبلغ المستحق()، وإنجاز حسابات متعلقة بالنزاع().
-كما يمنكن للخبير تقدير الأضرار بالتي يلحق بالعقارات منزوعة الملكية والقاضي الإداري يتمتع بسلطة واسعة في تقدير مدى الأضرار وقضاء نزع الملكية أهم منازعاته التعويض، وعادة يتم تعيين خبير خاصة إذا كان تقدير التعويض يتوقف على موقع العقار ومساحته وقت وقوع النزاع().
ويجوز تعيين خبير في قضايا نزع الملكية(). لاسيما أن قانون 91/11 المؤرخ في 1991 المتضمن تحديد القواعد المتعلقة بنوع الملكية للمنفعة العامة لم يحدد كيفية حساب التعويض وتحديده(). وموضوع التعويض العادل هو محل الخلاف الجوهري بين الإدارة وملاك ومنازعات التعويض تحتاج لقاض مدرك لحقيقة الواقع والقانون وذلك طبقا لمبادئ أهمها: معادلة التعويض لقيمة أو ثمن العقار المنزوع وعدم جواز حبس التعويض الذي قدره الخبير متى كان عمله أصبح نهائيا().
-في قضايا التعدي على ملكية خاصة من طرف هيئة عمومية (بلدية) لإثبات حالة التعدي وتقدير التعويض().
-الأشغال العامة التي تلحق أضرار بالمواطنين حيث يكلف الخبير بتقدير حجم الضرر واقتراح التعويض() في تحديد أصل الملكية أعطى مجلس الدولة للخبير مهمة تحديد أصل قطعة أرضية في ظل تطور التشريع الجزائري للملكية العقارية(). في مجال المسؤولية الإدارية على الأخطاء الطبية، هناك المئات من قرارات مجلس الدولة الفرنسي بذا الخصوص وبعض التطبيقات القضائية لمجلس الدولة الجزائري وعموما تتمثل مهمة الطبيب الخبير في الأمور الآتية:دعوة الأطراف: الضحية، ممثلي المستشفى المدعى عليه، وتسلم المستندات وإجراء الكشف الطبي للضحية بحضور محاميه أو حتى طبيبه الخاص واستجواب الطبيب المريض.
والخبرة في المجال الطبي مرحلة حاسمة وهي أبضا تخضع لمبدأ المواجهة وإن كان يلاحظ من الناحية العملية أن الخبرة عادة تكون سرية ومن جانب واحد إذ لا يوجد تمثيل للضحية أثناء إجراءها.
المطلب الثالث:إعداد تقرير الخبرة:
تتوج أعمال الخبير بتحرير تقرير يعرف بتقرير الخبرة ويجب أن يكون كتابيا، والطابع التقني للتقرير أمر مؤكد عليه ولا يمكن بحال من الأحوال أن يتضمن تقرير الخبرة مسائل قانونية.
الفرع الأول:مضمون التقرير: يتضمن تقرير الخبرة:
أقوال وملاحظات الخصوم ومستنداتهم وعرض تحليلي عما قام به وعاينه الخبير في حدود المهمة المسندة إليه ونتائج الخبرة والتقرير يتصف بالصفة الشخصية لأنه يعبر عن وجهة نظر الخبير ويجب أيضا أن يتسم بالجزم واليقين فالأحكام لا تبنى على الشك ،ويجب على الخبير تقديم التقرير لدى أمانة المحكمة ( المجلس القضائي أو مجلس الدولة بالنسبة للقضايا الإدارية )، وذلك في الآجال المحددة ولا يتأخر إلا بوجود مبرر مقنع وإلا جاز استبداله واعتبار ذلك خطأ تأديبي .وإن تقرير الخبير يضم نوعين من المعلومات:معلومات متعلقة بأقوال الخصوم وملاحظاتهم ومستنداتهم وما قام به الخبير من أعمال ويمكن إطلاع الأطراف عليها،ومعلومات يفترض أنها سرية وهي المتعلقة بنتائج الخبرة ،وفي حالة تعدد الخبراء، يلتزمون بتقديم تقرير واحد، وإذا لم يتفقوا وجب عليهم تسبب ذلك وهذا ما نصت عليه المادة 127/2 من القانون 08.09 فانعدام الإنفاق على تقرير واحد يكشف تباعد الآراء، ويلاحظ أن المشرع الجزائري لم يحدد نصاب الإنفاق على التقرير الواحد إن أمكن.وويلتزم الخبير بالحضور أمام المحكمة لتقديم التوضيحات اللازمة بشأن التقرير حيث يمكن استداؤه بحضور الأطراف، وعدم حضوره يعد خطأ مهنيا والهدف من حضوره هو إعطاء توضيحات تكميلية شفوية .
الفرع الثاني :حجية تقرير الخبرة:
إن حرية القاضي في نعيين خبير من عدمه تحكمها حاجته إلى مساعدة من تقني متخصص بوضع له نقاط غامضة ووقائع قد يكون لها طابع علمي أو فني ليتمكن من تطبيق القانون والفصل في الموضوع لكن يبقى تقرير الخبير غير ملزم للقاضي فيمكنه الأخذ به أو استبعاده، أو الآخذ بجزء منه فقط فنكون بعد إيداع تقرير الخبرة أمام ثلاث احتمالات:
الاحتمال الأول: اعتماد الخبرة كاملة :أغلب الأحيان يأخذ القاضي الإداري لتقرير الخبرة طالما أن المسألة محل الخبرة فنية تخرج عن اختصاص القاضي بل إن قضاء المحكمة العليا عن القاضي على الالتزام بهذا النوع من التقرير ،وقد وردت العديد من الأحكام القضاء الإداري التي استندت على الخبرة للفصل في النزاع وإن كان هذا الإلزام لا يكتسي الطابع القانوني، إن أن نص المادة 141 يتيح للقاضي سلطة تقدير نتائج الخبرة.
وباعتماد تقرير الخبرة يصبح مرجعية في تسبب الحكم في الموضوع ونذكر منها:
" – حيث أنه.....يستخلص من القرار المطعون فيه أن قضاة الدرجة الأولى قد سببوا قرارهم بما فيه الكفاية وأسسوا قضاءهم على التقرير الطبي المحرر من طرف الخبير الطبيب...وبالتالي فقد بين الطبيب الخطأ الطبي المرتكب والمدون في تقريره.." .
الاحتمال الثاني: أن تكون الخبرة ناقصة :قد يلجا القاضي إلى اعتماد جزء فقط من التقرير إذا رأت أن الخبرة لم توضح كل جوانب الغموض التي طلب من الخبير توضيحها، فيلجأ القاضي إلى استكمال الخبرة بإجراءات تحقيقية أخرى مكملة كالمعانية وهذا ما أكده القضاء الإداري في عدة أحكام نذكر منها:
"...حيث أن الخبرة المأمور بها من المحكمة العليا ( الغرفة الإدارية) لم تنر كفاية المحكمة فيما يتعلق بشكل الأمكنة وحقوق كل واحد من الأطراف.."...حيث أنه تم المر بالانتقال نفس المحكمة العليا إلى الأمكنة للمعاينة....وفي الموضوع رفض تقرير الخبيرو الأمر بخبرة مضادة" " ،ونكون أمام هذه الحالة عندما أيضا تكون الخبرة ناقصة أو أنها اقترحت حلا غير عادل في التقرير كالمبالغة في تقدير قيمة التعويض أو حجم الضرر أو أن الخبرة أنجزت من طرف عدة خبراء وكانت متناقضة أو متفاوتة، فيلجأ القاضي إلى ما يعرف بالخبرة المضادة، ومن أمثلة الأحكام الإدارية في هذا المجال:
" حيث أنه وبالفعل فإن المبلغ الممنوح لا يتطابق والتقييم الذي اقترحه الخبرات الثلاث المعنية على التوالي، ومن جهة أخرى توصلت الخبرات الثلاث المنجزة إلى تقسيمات مختلفة...يتعين ولحسن سير العدالة وتبعا لظروف القضية الاستجابية لطلب الأطراف وتعيين خبير ليقوم بالمهمة نفسها ( تحيدي الأرض المنزوعة الملكية وتحديد مبلغ التعويض" .
الفرع الثاني : بطلان تقرير الخبرة:
أولا : الطعن بالبطلان و أسبابه :لم ينص المشرع الجزائري في قانون 08.09 على بطلان تقرير الخبرة إلا في حالة واحدة نصت عليها المادة 140/2 وهي الحالة التي تترتب على تلقي الخبير المقيد في قائمة الخبراء التسيقات عن الأتعاب والمصاريف مباشرة من الخصوم ،لكن الطعن في التقرير الخبير يمكن أن يكون لأسباب أخرى وهي أسباب بطلان الأعمال الإجرائية التي نصت عليها المواد 60 وما يليها من القانون 09-08حيث تقرر أن بطلان الخبرة كإجراء تحقيقي شكلا لا يقرر إلا بنص و على من يتمسك به أن يثبت الضرر الذي لحقه،و يجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيح الخبرة ، وقد قضى القضاء المصري ببطلان الخبرة لعدة أسباب من بينها تقدير الخبير ريع الأطيان دون أن يعاينها،وتقوم المحكمة عادة بتزويد الأطراف بنسخة من تقرير الخبير ويتلى أمامهم من طرف القاضي ولهم الحق في الاعتراض عليه.
لكن المشرع الجزائري نص صراحة على أنه لا يمكن أن تشكل المناقشات المتعلقة بعناصر الخبرة ويقصد تقرير ونتائجها أسبابا للاستئناف الحكم أو الطعن فيه بالنقض، وقد تقرر هدا الحكم في المادة81 من القانون 09-08 بالنسبة لكل إجراءات التحقيق، إذا لم تكن قد أثيرت مسبقا أمام الجهات القضائية التي فصلت في نتائج الخبرة، على أنه يجوز للأطراف مناقشة التقرير والاعتراض عليه أمام القاضي قبل الحكم في الموضوع هذا خلافا لقانون الإجراءات المدنية القديم الذي كان يجيز الطعن في تقرير الخبرة مستقلا عن الحكم في الموضوع.
ولئن كان التعديل يصب في تفادي المصاريف والدعاوي القضائية إلا أن بعض الفقه يرى أن حق الطعن في تقرير الخبير أمام محاكم الموضوع بدرجاتها المختلفة هو جزء من حقوق الدفاع ينبغي تمكين الخصوم منها ،إلا أنه من جانبنا نرى أن نص المادة 145/2 منطقي فإذا أبدى الخصوم الاعتراض على تقرير الخبرة أمام القاضي فهذا من حقه ويمكن لهذه النقطة في القضايا الإدارية، فإذا لم يستعمل الخصم هذا الحق عند نظر القضية أمام القاضي الإداري لأول مرة، فلا يحق له إثارتها أمام مجلس الدولة لأنها ستعتبر طلبا جديدا ولن يلتفت إليه، وقد أكد هذا الرأي القضاء المصري في العديد من الأحكام منذ ما يقرب عن قرن ويمكن الطعن ببطلان تقرير الخبرة إذا شاب إجراءاته عيب جوهري ترتب عليه ضرر للخصم كأن يحدد الخبير يوما لاجتماعه بالخصوم ثم يقدمه أو يؤخره دون علمهم ولكن يشترط أن يثبت الطاعن صحة ما يدعيه أو في حالة الطعن بالتزوير،ويعتبر باطل كل تقرير يقدم تلقائيا من قبل الخبراء ومحاولا أن يغير خلاصتهم الأولى، ويجوز للقاضي على سبيل الاستدلال بخبرة باطة، إذا كان تتناول أو تكمل خبرة سابقة آمر بها في نزاع جمع بين نفس الأطراف وعدم صحة الخبرة إذا كانت تؤدي إلى بطلانها يجب إثارتهما حينها عند الفصل في الموضوع حتى ولو كان الخبير تناول نقاطا قانونية
ثانيا : آثار البطلان: إذا قررت المحكمة بطلان الخبرة يمكنها الأمر بخبرة جديدة أو تقض في الموضوع وفقا ما تراه من أسانيد بحيث لن يكون التقرير أساس لقرارها فكل تقرير باطل يفقد كل قيمة، وإن كان كما أشرنا يجيز البعض تجزئة التقرير بإبطال شق منه فقط .
ثالثا: متابعة القضية: يرفع التقرير ويبلغ من قبل الطرف الأكثر استعجالا وتوضع القضية في جدول القاضي وفي الحالات الاستعجالية، يمكن الفصل بمجرد إيداع التقرير لدى كتابة الضبط ،والقضاة غير ملزمين برأي الخبير ( المادة 54 من ق إ م القديم) وتتخذ إجراءات إعادة السير في الدعوى وفقا لما ينص عليه القانون 09-08،وو بالنسبة للغير التقرير ليس له حجية في مواجهة الغير ولا حتى الطرف الذي جاءه لاحقا على إيداع التقرير،ويمكن للقاضي أن يستعمل خبرة أنجزت بين نفس الأطراف بمناسبة قضية أخرى وأيضا استعمال خبرة أنجزت بين الأطراف والغير في نزاع أخر على سبيل الاستعلام
الفرع الثالث : مسئولية الخبير و أتعابه
أولا : مسئولية الخبير:لا يتمتع الخير في ممارسة مهامه بأية حصانة وهو يخضع لقواعد المسؤولية المدنية (م 124 ق م) ويتحمل الأخطاء التي يرتكبها أثناء ممارسة مهامه لكنه غير مسئول عن الحكم الذي صدر استنادا لخبرته إلا إذا ارتكب أخطأ ظاهرة وهو عادة مغطى بالحكم اللاحق على خبرته
ثانيا: أتعاب الخير:القاضي يأمر بإيداع تسبيق أولي مخصصة لأتعاب الخبير والمصاريف التي يبذلها وبعد إتمام مهمته فإنه يقدم كشفا فيه كل المصاريف التي أنجزتها للإتمام مهمته مبررا كل مبلغ للقاضي الذي يحدد أتعاب الخبير بحسب حرصه واحترامه للآجال المحددة ونوعية العمل المقدم و لا يوجد هناك سلم للأتعاب ويسمح القاضي للخبير ببعض الأموال التي تم إيداعها كتسبيق إلى فإذا كانت أتعابه أقل من مبلغ التسبيق، فالباقي يعاد إلى الطرف أو الأطراف الذين دفعوه أما إذا كان العكس فإن القاضي يأمر بإيداع المبلغ التكميلي ويعين أجلا ولكن إذا حدد القاضي مبلغا أقل مما طلبه الخبير، فعليه أن يحترم ويصدر أمرا تنفيذيا بأداء المبلغ المتبقي للخبير،والناحية العملية لا يستطيع الخبير تقدير أتعابه إلا بعد تمام الخبرة ليقدم للقاضي اقتراحات بذلك، فما الجدوى من عبارة " يودع الخبير تقريره على الحالة التي عليها ويستغنى عما تبقى من إجراءات " طالما أن الخبير يكون قد أتم الخبرة وبالتالي فنص المادة 139/2 من القانون 09/08 سيكون معطلا، فالقاضي هو الذي يحدد أتعابه أو مكافأته بعد إيداع التقرير أ ويمنع أداء أي أتعاب أو مصاريف مباشرة إلى الخبير من طرف الخصوم وإذا قبلها الخبير المقيد في الجدول فإنه يعاقب بالشطب من خاتمة الخبراء وبطلان الخبرة.
خاتمة
جاء قانون الإجراءات المدنية و الإدارية في ثوب تقنين عملاق بعد طول انتظار وتضمن أزيد من ألف مادة من بينها التدابير و الإجراءات التحقيقية التي تمثل الخبرة القضائية الجانب الأهم منها ،ويمكن القول أنه بخصوص هذه النقطة احتفظ المشرع الجزائري ببعض النصوص القديمة مع استحداث نصوص جديدة ويلاحظ أن قانون 09-08 تضمن الأمور التالية في مادة الخبرة القضائية :
-الخبرة القضائية إجراء مشترك يعتمد عليها القاضي العادي و القاضي الإداري و هي إجراء اختياري.
-توسيع سلطات القاضي وامتداد الحالات التي يلجأ فيها إلى الخبراء وكثرة التدابير الممنوحة للقضاة تفاديا لضياع الوقت و المصاريف من غير طائل.
-إدراج المشرع لوسائل تقنية لهاإمتداد وتعقيد متصاعد بفضلها يمكن للقاضي أن يلجأ إلى شخص مؤهل للحصول على المعلومات التقنية اللازمة دون تحريك آلية بطيئة و مكلفة ومرهقة حيث يقوم الخبراء ببحوث و تحاليل أكثر تعقيدا و تتمثل هذه الوسائل في المعاينة ،الاستشارة و الخبرة.
-إن واضعي التعديل فكروا في ضرورة تكريس تطورات هامة في إجراءات التحقيق وكرست لها العشرات من المواد إلا أنه يمكن القول أن هناك اتجاه لتفادي اللجوء إلى الخبرة .
-المشرع الجزائري اقتبس كعادته النصوص الخاصة بالخبرة القضائية من آخر تعديل قانون الإجراءات المدنية الفرنسي وعموما فهي ملمة بهده المهمة التي رغم محاولة تفاديها باستقراء النصوص إلا أنها سوف لن يتم التراجع عنها خاصة بالنسبة للمنازعات الإدارية التي تصعب فيها الوساطة و التحكيم و المعاينة و الصلح ،و الدليل على ذلك مئات الآلاف من القرارات القضائية عن مجلس الدولة الفرنسي التي يلجأفيها للخبرة أمام عجز الوسائل الأخرى.
-استحدث المشرع الجزائري تدابير خاصة بإيداع تسبيق موجه لتغطية أتعاب الخبير كما أقر عدم جواز الطعن في الخبرة إلا مع الحكم الفاصل في الموضوع وهي نقطة جد إيجابية،ويمكن الاعتقاد أن مشرعنا وفق إلى حد بعيد في إحكام الإجراءات التحقيقية مع بعض الملاحظات التي تم إبداؤها في هذا البحث ينبغي الحرص على تداركه.
التحقيق القضائي ( تابع )
المطلب الثاني: تعيين الخبير واستبداله ورده
الفرع الأول: تعيين الخبير
يصدر قاضي الموضوع حكما يعين فيه الخبير وفقا للشروط والأوضاع المنصوص عليها قانونا، وتعيين الخبراء بالنسبة للقضاء الإداري في الجزائر يكون إما من الغرفة الإدارية أو مجلس الدولة بصفته قاضي موضوع ويكون ذلك بقرار قبل الفصل في الدعوى بذات الأشكال والإجراءات في القضايا العادية وذلك لأن المشرع الجزائري أدرج أحكام الخبرة ضمن الأحكام المشتركة.
أولا: شروط تعيين الخبراء :بمجرد اقتناع القاضي بضرورة إجراء خبرة يصدر حكما بتعيين خبير إما من قائمة الخبراء القضائيين المقيدين لديها أو من غير المقيدين()، وقد نظم المشرع الجزائري شروط التسجيل في قوائم الخبراء بموجب المرسوم 95. 310 المؤرخ في 10/10/1995 والذي يحدد أيضا حقوق وواجبات الخبير وتأديبه.
1- مبدأ حرية الاختيار() :يجوز للقضاة في القضايا المدنية والإدارية تعيين أي خبير من اختيارهم تحت قيود النصوص التشريعية والتنظيمية حيث توضع كل سنة لإعلام القضاة قائمة يحررها كل مجلس قضائي والقانون ينص على حماية لقب " خبير لدى المجلس"() ،وقانون الإجراءات المدنية والإدارية 09. 08 أعطى لقاضي الموضوع هذه الصلاحية بموجب المادة 126 حيث يجب تسمية الخبير في القرار المتضمن الأمر بالخبرة وتخصصه() من القائمة المعتمدة لدى المجلس (قائمة الخبراء القضائيين) أو من غيرها.
2- شروط التسجيل في قائمة الخبراء القضائيين:
نص المرسوم 95. 310 على جملة من الشروط الواجب توافرها للتسجيل في قائمة الخبراء القضائيين وأهم هذه الشروط: الجنسية الجزائرية مع مراعاة الاتفاقيات الدولية و الشهادة الجامعية أو شهادة في التخصص و عدم التعرض لعقوبة نهائية بسبب ارتكاب أفعال مخلة بالآداب العامة أو الشرف() وقد أجاز المشرع اجزائري أن يتولى مهنة الخبير شخص معنوي تتوفر لديه الشروط القانونية().
أصدر المشرع الجزائري في المرسوم التنفيذي رقم 95-310 مؤرخ في 10/10/1995 يحدد شروط التسجيل في قوائم الخبراء القضائيين وكيفياته وحقوقهم وواجباتهم واشترط في تسجيل في قائمة الخبراء أي شخص طبيعي على أن تكون له شهادة جامعية أو تأهيل مهني معين في الاختصاص الذي يطلب فيه التسجيل دون تحديد الاختصاصات()،كما صدر الأمر 95-08 مؤرخ في 01/02/1995 المتعلق بمهنة المهندس الخبير العقاري حيث نصت المادة 02 منه على وجوب قيام الشخص بوضع المخططات الطبوغرافية للوثائق التقنية التي تلحق بعقود رسمية تتعلق بنقل الملكية العقارية ،هذا فضلا عن بعض النصوص المتناثرة في العديد من التشريعات تتناول موضوع الخبرة في القانون المدني، بالإضافة إلى خبراء مصلحة الطب الشرعي()، وخبراء مضاهاة الخطوطن ويلاحظ أن المشرع الجزائري أخرج فئة المحكوم عليهم بالحرمان من الحقوق الوطنية بسبب ضمانه الآداب المرتبطة بمهنة الخبير وكذلك المفلسين الذين لم يرد لهم اعتبارهم أمام القصر فمبعدين مطلقا.
ثانيا: أداء اليمين :يؤدي الخبراء المقيدون أول مرة في قوائم المجالس القضائية اليمين المنصوص عليها في المادة 145 من قانون الإجراءات الجزائية ويتم إعداد محضر أداء اليمين ويحتفظ به في أرشيف المجلس القضائي() ،والفرق بين الخبير المقيد في القائمة وغير المقيد أن هذا الأخير يؤدي اليمين أمام القاضي المعين في الحكم الآمر بالخبرة وتودع نسخة من محضر أداء اليمين في ملف القضية وهذا ما نصت عليه المادة 131 من قانون 09-08، في حين أن المادة 50 من قانون الإجراءات المدنية القديم أجازت إعفاء الخبير من اليمين باتفاق الخصوم.
ويلاحظ ما يلي :
1- لم يتم النص على حكم الحالة التي يدلي فيها الخبير بخبرته دون أن يحلف اليمين وما يترتب عنه من آثار،ويرى بعض الفقه في مصر أن تخلف الخبير عن أداء اليمين يؤدي إلى بطلان عمله، إلا أن هذا البطلان ليس من النظام العام، فإذا أجازه الأطراف لا يجوز للمحكمة أن تقرر بطلان الخبرة وهذا أيضا موقف القضاء المصري()، أما القضاء الأردني فقد اعتبر تخلف اليمين من النظام العام ويوجب بطلان الخبرة()، ونرى أن المشرع الجزائري يأخذ برأي الفقه والقضاء المصري ويمكن اعتبار ذلك اتجاه المشرع الجزائري بالرجوع إلى أحكام البطلان في الأعمال الإجرائية في المواد 60 وما يليها من القانون 09-08 ،وسوف يتم التفصيل في هذه النقطة لاحقا.
2- لم يحدد قانون 09. 02 عدد الخبراء الواجب تعيينهم () لكن الغالب أنه خبير واحد وعموما فذلك يعود إلى السلطة التقديرية لقاضي الموضوع والتي تراعي حجم المسائل التقنية ودرجة تعقيدها .
ولا يجوز لقضاة المحكمة أو كتاب ضبطهم أن يعينوا كخبراء .
أما عن الاختصاص فإن القضايا الإدارية ومعظم نزاعاتها التي تتطلب الخبرة متعلقة بالقضايا العقارية مع البلديات والصفقات العمومية المبرمة مع المؤسسات ذات الطابع الإداري، ضف إلى ذلك قضايا التعويض عن المسئولية الإدارية كمسئولية المستشفيات العامة والتي يعتمد فيها على خبراء أطباء وقضايا التعويض عن نزع الملكية للمنفعة العامة ... فأهم التخصصات بالنسبة للخبراء في مجال القضايا الإدارية هي:
الخبراء العقارين وخبراء أطباء وخبراء محاسبون وخبراء مهندسين معماريين().
ويجب إخطار الخبير بتعيينه وهذا من واجب كاتب ضبط الجهة القضائية التي أصدرت حكم التعيين ولم يحدد قانون 09-08 أجلا لذلك لكن عموما يتم ذلك في أجل قصير().
ثالثا: طبيعة الحكم الآمر بالخبرة :إن الحكم الآمر بالخبرة لا يمكن أبدا أن يكون فصلا في الموضوع، وهو يمكن أن يكون:
1- أمرا استعجاليا :يجوز أن يأمر قاضي الاستعجال بخبرة إذا كان هناك استعجال بقصد تحفظي فيقتصر عمل الخبير على المعاينات التي تطلب منه و هذا ما أجازته المادة 77 من القانون 09-08 ، ونظرا لشفوية المرافقات أمام قاضي الاستعجال يجوز للأطراف التماس تقديم خبرة أكثر توضيحا "plus complémentaire" من تلك التي حددت للخبير عند تعيينه ويعود الأمر إلى القاضي بتحديد النقاط التي يراها ضرورية لقناعة المحكمة().
2- يمكن للحكم الآمر بالخبرة أن يكون تحضيريا، والحكم التحضيري هو الحكم الذي تصدره المحكمة أثناء سير الدعوى بإجراء معين دون أن تكشف عن وجهة نظرها ومثال ذلك الحكم بندب خبير للقول هل أن المدعي عليه استولى أو اعتدى على جزء من المساحة الأرضية المملوكة للمدعي فهذا الحكم يهدف فقط إلى توضيح جانب من جوانب النزاع ليس إلا () ، كذلك الحكم بإجراء خبرة في دعوى الغبن في بيع عقار متنازع فيه أيضا يعد حكما تحضيريا، والحكم التحضيري لا يمكن استئنافه.
3- يمكن أن يكون الحكم الآمر بالخبرة تمهيدي: الحكم التمهيدي هو الحكم الذي يصدر أثناء سير الدعوى لغرض القيام بما من شأنه أن ينورا لمحكمة من التدابير والإجراءات ولكنه يستشف منه قليلا أو كثيرا عما ستقضي به المحكمة، ويتعرض لمصير النزاع فضلا عن أنه ينبئ عن وجهة نظر معينة لدى المحكمة،ومن أمثلة هذا الحكم: تعيين خبير مختص في المحاسبة للقيام بتصفية حساب شركة وبيان نصيب كل شريك منها، والحكم بتعيين خبير لتحديد الضرر الذي لحق بالمدعي وتقييمه نقدا().
رابعا:سلطة القرار : عندما يأمر القاضي بالخبرة فلا يجوز له أن يحكم من جديد إلا عندما يودع الخبير تقريره ،غير أنه إذا كان الطرف الذي طلب الخبرة لم يتصل بالخبير المعين وإذا كان للقاضي وسائل جديدة تسمح له بتأسيس قراره فيمكنه صرف النظر والحكم في الموضوع كما يمكن في حال عدم إيداع التسبيق في الأجل المحدد اعتبار تعيين الخبير لاغيا() وفي ظل القانون القديم إذا رفع للمجلس أثر ناقل للاستئناف يجوز له فرض إجراءات استعلامية مختلفة عن تلك التي حددها قضاة الدرجة الأولى و إضافة تحقيق إلى الخبرة فإن هؤلاء لا يستطيعون الرجوع عن قرارهم الأول لأن ذلك من حق الأطراف() ، وقد اشترط المشرع الفرنسي في المادة 272 من قانون الإجراءات المدنية المعدل و المادة 77 من القانون 09-08 أن يقدم الطالب مبررا خطيرا وشرعيا والحصول من رئيس محكمة الاستئناف على أمر استعجالي().
الفرع الثاني: استبدال الخبير ورده
أولا: استبدال الخبير : من المقرر أنه بصدور حكم تعيين الخبير يتم إعلامه في أقرب الآجال من طرف كاتب ضبط الغرفة الإدارية بالمجلس أو بمجلس الدولة فيمكن أن يرفض أو يقبل،وإذا رفض الخبير المهمة لأي سبب كان كأن يكون يريد إعفاءه من مهامه إذا كان عاجزا عن أدائها في ظروف تقيد حرية عمله أو من شأنها الإضرار بصفته أو كان أطلع على القضية في نطاق آخر() ،يتم استبداله بموجب آمر على ذيل عريضة صادر عن القاضي عينه() ويصدر في القضايا الإدارية عن رئيس الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي المعين له حسب مكان تواجد القضية أو من القاضي لدى مجلس الدولة.
ووفاة الخبير لا تجعل من أمر الخبرة لاغ وهذه نقطة لم يعالجها المشرع الجزائري كما أنه في حالة عدم اتفاق الخصوم يعين القاضي خبيرا آخر،ولا يمنع أي نص القاضي في حالة رفض الخبير أو وجود مانع أن يستبدله بأمر استعجالي بطلب من الطرف الأكثر استعجالا،وإذا كان طلب الاستبدال باتفاق الأطراف بدل الخبيرالذي عينه الحكم التحضيري، للقاضي حرية في أن يوافق دون أن يمس بالموضوع لأن تعيين اسم الخبير لا يمس بموضوع النزاع أو الحق المتنازع فيه ولا يلزم القاضي().
ثانيا : رد الخبير
1-الجهة التي تصدر قرار الرد:إن الثقة المطلقة التي يجب أن تميز أعمال ونتائج الخبراء في ممارسة مهامهم دعا المشرع إلى حمايتهم ضد أية شبهة وفي هذا الاتجاه وحماية لحقوق الدفاع، للأطراف دائما حق رد الخبراء المعنيين، وإذا كان أحد الخصوم في حالة يستحيل عليه ممارسة هذا الحق فإن نتائج الخبرة لا تلزمه ،ومن المنطق أن الرد يخص الخبير الذي عينه القاضي دون طلب الخصوم أو بطلب أحدهماو قاضي الموضوع الذي أمر بالخبرة هو الذي يفصل في أسباب الرد وذلك بناء على طلب يتقدم به الخصم بموجب عريضة تتضمن أسباب الرد توجه له خلال 8 أيام من تاريخ تبليغه بهذا التعيين، ويفصل في الرد بآمر غير قابل لأي طعن وذلك دون تأخير().
2- أسباب الرد :اسباب الرد نصت عليها المادة 133 /2 من القانون 09-08 وتتمثل في:
القرابة المباشرة أو غير المباشرة لغاية الدرجة الربعة، و وجود مصلحة شخصية أو لأي سبب جدي آخر.
3- آثار الرد:إن الرد يوقف أثر الحكم وأداء اليمين من طرف الخبير ولا يسري هذا إلا بعد الفصل في طلب الرد.
يمكن أن يكون الرد غير المبرر سببا للتعويض من طرف المدعي الذي لم يؤسس طلبه لصالح الطرف الآخر عن التسبب في تأخير حل النزاع وأيضا لصالح الخبير نظرا لما يشكله الرد من المساس باعتباره الذي يتمتع به، وإذا قرر الخبير متابعة طالب الرد بدعوى التعويض فإنه لا يستطيع البقاء كخبير في النزاع ويتم استبداله وذلك لأنه أصبح خصما() لأحد أطراف النزاع في حين أن عمله يفرض عليه الحياد وعدم الانحياز إلى أحد الخصوم وإلا عد ذلك خطأ مهنيا يستوجب التأديب().
المطلب الثالث : الأجراءات السابقة لمباشرة الخبرة
تجري عمليات الخبرة في التاريخ الذي يبلغه الخبير إلى الخصوم الذين يمكنهم الحضور شخصيا أو تعيين نائب لهم إلا إذا استحال حضورهم بسبب طبيعة الخبرة، ويكون التبليغ بواسطة المحضر القضائي()، وتسجل ملاحظات الخصوم عند الاقتضاء في تقرير الخبرة ،ويؤدي الخبير مهمته بدقة ضمن الإطار المحدد من قبل الجهة القضائية التي عينته قبل الفصل في أصل الحق()، وذلك تحت سلطة القاضي الذي عينة وتحت مراقبة النائب العام() الذي يوفر له تدابير يرى بعض الفقه أنها أفضل من تلك التي تضمنها قانون الإجراءات المدنية القديم فيما يتعلق بتمويل إجراءات التحقيق واللجوء إليها منذ البداية حتى لا يكون ذلك سببا في تأخير التحقيق أو إعاقته() ،ولإنجاز مهمة الخبير هناك عدة خطوات ضرورية :
الفرع الأول: إيداع التسبيق :la provision
يقصد بالتسبيق" " مبلغ مالي يحدده القاضي الآمر بالخبرة بحيث يكون مقاربا قدر الإمكان للمبلغ النهائي المحتمل لأتعاب الخبير ومصاريف الخبرة، ويقع على عاتق الخصم الذي طلب الخبرة أو الخصوم دفعه في الأجل الذي يحدده القاضي، وفي حال لم يتم إيداع التسبيق في الأجل المحدد يعتبر تعيين الخبير لاغيا()، إلا إذا قدم الخصم طلبا لتمديد الأجل أو رفع إلغاء تعيين الخبير بموجب أمر على عريضة إذا ثبتت في حين ثبتت حسن نيته() ، ويودع مبلغ التسبيق في الأجل المحدد لدى أمانة الضبط ولا يجوز دفعه مباشرة للخبير() وهذه التدابير تعتبر مستحدثة فالنص على إيداع مبلغ التسبيق يعد ضمانا لتلقي الخبير لأتعابه وما يبذله من مصاريف ،ولا يرخص للخبير باقتطاع جزء من التسبيق المودع لدى أمانة الضبط إلا إذا قدم تبريرا وإذا تبين أن المبلغ المودع غير كاف لتغطية أتعاب الخبير يحدد القاضي مبلغا إضافيا وأجلا لإيداعه، وفي حال عدم التزام الخصوم بهذا الإجراء يودع الخبير تقريره على الحالة التي يوجد عليها ويستغنى عما تبقى من إجراءات().
وتعليقا على المادة: 129/ :في الواقع أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بسقوط حق الخصم الذي لم يقم بإيداع الأمانة الخبير في التمسك بالحكم الصادر بتعيين الخبير إلا إذا وجدت أن الأعذار التي أبداها الخصم لذلك غير مقبولة وهذا يقتضي علم الخصم بالحكم الذي ألزمه بدفع أمانة الخير حتى يدفعها في الأجل المحدد في هذا الحكم أو إبداء مبررات امتناعه ولما كان قانون 09-08 توجب إعلان منطوق الأحكام الصادرة بإجراءات التحقيق إلى من لم يحظر النطق بها من الخصوم وإلا كان العمل لاغيا فلا يجوز للمحكمة أن تقضي باعتبار تعيين الخير لاعنا إلا إذا كان قد أعلم بهذا، وقضاء المحكمة بعد أن قضت باعتبار تعيين الخبير لاغيا وقد أصدرت حكما بتعيينه فقط لعدم قدرتها على الحكم وقضت بإلغاء تعيينه اضطرارا بسبب عدم دفع أمانة الخبير إلا عجزها على إلزام الخصوم بأدائه.
ثانيا : تسليم الوثائق والمستندات إلى الخبير:حتى يفهم الخبير بصفة جيدة المهمة التي تولاها لا بد من تسليمه الوثائق والمستندات التي يراها ضرورية لانجاز مهمته دون تأخير()، إن ملف القضية والوثائق التي قدمها الخصوم يتم حفظها مؤقتا بأمانة المحكمة وليس من المفروض أن يطلع الخبير على الوثائق والأدلة التي ليس لها علاقة بتنفيذ مهمته ،ويمكن للخبير الإطلاع على الوثائق بكتابة ضبط المحكمة حتى قبل قبول المهمة، إذا اعترض الخبير أي أشكال متعلق بحصوله على المستندات الضرورية إعلام القاضي الذي يأمر الخصوم تحت طائلة غرامة تهديدية بتقديم المستندات()،ويجوز للقاضي أن يستخلص الآثار القانونية المترتبة على امتناع الخصوص عن تقديم المستندات().
الفرع الأول: تعيين الخبير
يصدر قاضي الموضوع حكما يعين فيه الخبير وفقا للشروط والأوضاع المنصوص عليها قانونا، وتعيين الخبراء بالنسبة للقضاء الإداري في الجزائر يكون إما من الغرفة الإدارية أو مجلس الدولة بصفته قاضي موضوع ويكون ذلك بقرار قبل الفصل في الدعوى بذات الأشكال والإجراءات في القضايا العادية وذلك لأن المشرع الجزائري أدرج أحكام الخبرة ضمن الأحكام المشتركة.
أولا: شروط تعيين الخبراء :بمجرد اقتناع القاضي بضرورة إجراء خبرة يصدر حكما بتعيين خبير إما من قائمة الخبراء القضائيين المقيدين لديها أو من غير المقيدين()، وقد نظم المشرع الجزائري شروط التسجيل في قوائم الخبراء بموجب المرسوم 95. 310 المؤرخ في 10/10/1995 والذي يحدد أيضا حقوق وواجبات الخبير وتأديبه.
1- مبدأ حرية الاختيار() :يجوز للقضاة في القضايا المدنية والإدارية تعيين أي خبير من اختيارهم تحت قيود النصوص التشريعية والتنظيمية حيث توضع كل سنة لإعلام القضاة قائمة يحررها كل مجلس قضائي والقانون ينص على حماية لقب " خبير لدى المجلس"() ،وقانون الإجراءات المدنية والإدارية 09. 08 أعطى لقاضي الموضوع هذه الصلاحية بموجب المادة 126 حيث يجب تسمية الخبير في القرار المتضمن الأمر بالخبرة وتخصصه() من القائمة المعتمدة لدى المجلس (قائمة الخبراء القضائيين) أو من غيرها.
2- شروط التسجيل في قائمة الخبراء القضائيين:
نص المرسوم 95. 310 على جملة من الشروط الواجب توافرها للتسجيل في قائمة الخبراء القضائيين وأهم هذه الشروط: الجنسية الجزائرية مع مراعاة الاتفاقيات الدولية و الشهادة الجامعية أو شهادة في التخصص و عدم التعرض لعقوبة نهائية بسبب ارتكاب أفعال مخلة بالآداب العامة أو الشرف() وقد أجاز المشرع اجزائري أن يتولى مهنة الخبير شخص معنوي تتوفر لديه الشروط القانونية().
أصدر المشرع الجزائري في المرسوم التنفيذي رقم 95-310 مؤرخ في 10/10/1995 يحدد شروط التسجيل في قوائم الخبراء القضائيين وكيفياته وحقوقهم وواجباتهم واشترط في تسجيل في قائمة الخبراء أي شخص طبيعي على أن تكون له شهادة جامعية أو تأهيل مهني معين في الاختصاص الذي يطلب فيه التسجيل دون تحديد الاختصاصات()،كما صدر الأمر 95-08 مؤرخ في 01/02/1995 المتعلق بمهنة المهندس الخبير العقاري حيث نصت المادة 02 منه على وجوب قيام الشخص بوضع المخططات الطبوغرافية للوثائق التقنية التي تلحق بعقود رسمية تتعلق بنقل الملكية العقارية ،هذا فضلا عن بعض النصوص المتناثرة في العديد من التشريعات تتناول موضوع الخبرة في القانون المدني، بالإضافة إلى خبراء مصلحة الطب الشرعي()، وخبراء مضاهاة الخطوطن ويلاحظ أن المشرع الجزائري أخرج فئة المحكوم عليهم بالحرمان من الحقوق الوطنية بسبب ضمانه الآداب المرتبطة بمهنة الخبير وكذلك المفلسين الذين لم يرد لهم اعتبارهم أمام القصر فمبعدين مطلقا.
ثانيا: أداء اليمين :يؤدي الخبراء المقيدون أول مرة في قوائم المجالس القضائية اليمين المنصوص عليها في المادة 145 من قانون الإجراءات الجزائية ويتم إعداد محضر أداء اليمين ويحتفظ به في أرشيف المجلس القضائي() ،والفرق بين الخبير المقيد في القائمة وغير المقيد أن هذا الأخير يؤدي اليمين أمام القاضي المعين في الحكم الآمر بالخبرة وتودع نسخة من محضر أداء اليمين في ملف القضية وهذا ما نصت عليه المادة 131 من قانون 09-08، في حين أن المادة 50 من قانون الإجراءات المدنية القديم أجازت إعفاء الخبير من اليمين باتفاق الخصوم.
ويلاحظ ما يلي :
1- لم يتم النص على حكم الحالة التي يدلي فيها الخبير بخبرته دون أن يحلف اليمين وما يترتب عنه من آثار،ويرى بعض الفقه في مصر أن تخلف الخبير عن أداء اليمين يؤدي إلى بطلان عمله، إلا أن هذا البطلان ليس من النظام العام، فإذا أجازه الأطراف لا يجوز للمحكمة أن تقرر بطلان الخبرة وهذا أيضا موقف القضاء المصري()، أما القضاء الأردني فقد اعتبر تخلف اليمين من النظام العام ويوجب بطلان الخبرة()، ونرى أن المشرع الجزائري يأخذ برأي الفقه والقضاء المصري ويمكن اعتبار ذلك اتجاه المشرع الجزائري بالرجوع إلى أحكام البطلان في الأعمال الإجرائية في المواد 60 وما يليها من القانون 09-08 ،وسوف يتم التفصيل في هذه النقطة لاحقا.
2- لم يحدد قانون 09. 02 عدد الخبراء الواجب تعيينهم () لكن الغالب أنه خبير واحد وعموما فذلك يعود إلى السلطة التقديرية لقاضي الموضوع والتي تراعي حجم المسائل التقنية ودرجة تعقيدها .
ولا يجوز لقضاة المحكمة أو كتاب ضبطهم أن يعينوا كخبراء .
أما عن الاختصاص فإن القضايا الإدارية ومعظم نزاعاتها التي تتطلب الخبرة متعلقة بالقضايا العقارية مع البلديات والصفقات العمومية المبرمة مع المؤسسات ذات الطابع الإداري، ضف إلى ذلك قضايا التعويض عن المسئولية الإدارية كمسئولية المستشفيات العامة والتي يعتمد فيها على خبراء أطباء وقضايا التعويض عن نزع الملكية للمنفعة العامة ... فأهم التخصصات بالنسبة للخبراء في مجال القضايا الإدارية هي:
الخبراء العقارين وخبراء أطباء وخبراء محاسبون وخبراء مهندسين معماريين().
ويجب إخطار الخبير بتعيينه وهذا من واجب كاتب ضبط الجهة القضائية التي أصدرت حكم التعيين ولم يحدد قانون 09-08 أجلا لذلك لكن عموما يتم ذلك في أجل قصير().
ثالثا: طبيعة الحكم الآمر بالخبرة :إن الحكم الآمر بالخبرة لا يمكن أبدا أن يكون فصلا في الموضوع، وهو يمكن أن يكون:
1- أمرا استعجاليا :يجوز أن يأمر قاضي الاستعجال بخبرة إذا كان هناك استعجال بقصد تحفظي فيقتصر عمل الخبير على المعاينات التي تطلب منه و هذا ما أجازته المادة 77 من القانون 09-08 ، ونظرا لشفوية المرافقات أمام قاضي الاستعجال يجوز للأطراف التماس تقديم خبرة أكثر توضيحا "plus complémentaire" من تلك التي حددت للخبير عند تعيينه ويعود الأمر إلى القاضي بتحديد النقاط التي يراها ضرورية لقناعة المحكمة().
2- يمكن للحكم الآمر بالخبرة أن يكون تحضيريا، والحكم التحضيري هو الحكم الذي تصدره المحكمة أثناء سير الدعوى بإجراء معين دون أن تكشف عن وجهة نظرها ومثال ذلك الحكم بندب خبير للقول هل أن المدعي عليه استولى أو اعتدى على جزء من المساحة الأرضية المملوكة للمدعي فهذا الحكم يهدف فقط إلى توضيح جانب من جوانب النزاع ليس إلا () ، كذلك الحكم بإجراء خبرة في دعوى الغبن في بيع عقار متنازع فيه أيضا يعد حكما تحضيريا، والحكم التحضيري لا يمكن استئنافه.
3- يمكن أن يكون الحكم الآمر بالخبرة تمهيدي: الحكم التمهيدي هو الحكم الذي يصدر أثناء سير الدعوى لغرض القيام بما من شأنه أن ينورا لمحكمة من التدابير والإجراءات ولكنه يستشف منه قليلا أو كثيرا عما ستقضي به المحكمة، ويتعرض لمصير النزاع فضلا عن أنه ينبئ عن وجهة نظر معينة لدى المحكمة،ومن أمثلة هذا الحكم: تعيين خبير مختص في المحاسبة للقيام بتصفية حساب شركة وبيان نصيب كل شريك منها، والحكم بتعيين خبير لتحديد الضرر الذي لحق بالمدعي وتقييمه نقدا().
رابعا:سلطة القرار : عندما يأمر القاضي بالخبرة فلا يجوز له أن يحكم من جديد إلا عندما يودع الخبير تقريره ،غير أنه إذا كان الطرف الذي طلب الخبرة لم يتصل بالخبير المعين وإذا كان للقاضي وسائل جديدة تسمح له بتأسيس قراره فيمكنه صرف النظر والحكم في الموضوع كما يمكن في حال عدم إيداع التسبيق في الأجل المحدد اعتبار تعيين الخبير لاغيا() وفي ظل القانون القديم إذا رفع للمجلس أثر ناقل للاستئناف يجوز له فرض إجراءات استعلامية مختلفة عن تلك التي حددها قضاة الدرجة الأولى و إضافة تحقيق إلى الخبرة فإن هؤلاء لا يستطيعون الرجوع عن قرارهم الأول لأن ذلك من حق الأطراف() ، وقد اشترط المشرع الفرنسي في المادة 272 من قانون الإجراءات المدنية المعدل و المادة 77 من القانون 09-08 أن يقدم الطالب مبررا خطيرا وشرعيا والحصول من رئيس محكمة الاستئناف على أمر استعجالي().
الفرع الثاني: استبدال الخبير ورده
أولا: استبدال الخبير : من المقرر أنه بصدور حكم تعيين الخبير يتم إعلامه في أقرب الآجال من طرف كاتب ضبط الغرفة الإدارية بالمجلس أو بمجلس الدولة فيمكن أن يرفض أو يقبل،وإذا رفض الخبير المهمة لأي سبب كان كأن يكون يريد إعفاءه من مهامه إذا كان عاجزا عن أدائها في ظروف تقيد حرية عمله أو من شأنها الإضرار بصفته أو كان أطلع على القضية في نطاق آخر() ،يتم استبداله بموجب آمر على ذيل عريضة صادر عن القاضي عينه() ويصدر في القضايا الإدارية عن رئيس الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي المعين له حسب مكان تواجد القضية أو من القاضي لدى مجلس الدولة.
ووفاة الخبير لا تجعل من أمر الخبرة لاغ وهذه نقطة لم يعالجها المشرع الجزائري كما أنه في حالة عدم اتفاق الخصوم يعين القاضي خبيرا آخر،ولا يمنع أي نص القاضي في حالة رفض الخبير أو وجود مانع أن يستبدله بأمر استعجالي بطلب من الطرف الأكثر استعجالا،وإذا كان طلب الاستبدال باتفاق الأطراف بدل الخبيرالذي عينه الحكم التحضيري، للقاضي حرية في أن يوافق دون أن يمس بالموضوع لأن تعيين اسم الخبير لا يمس بموضوع النزاع أو الحق المتنازع فيه ولا يلزم القاضي().
ثانيا : رد الخبير
1-الجهة التي تصدر قرار الرد:إن الثقة المطلقة التي يجب أن تميز أعمال ونتائج الخبراء في ممارسة مهامهم دعا المشرع إلى حمايتهم ضد أية شبهة وفي هذا الاتجاه وحماية لحقوق الدفاع، للأطراف دائما حق رد الخبراء المعنيين، وإذا كان أحد الخصوم في حالة يستحيل عليه ممارسة هذا الحق فإن نتائج الخبرة لا تلزمه ،ومن المنطق أن الرد يخص الخبير الذي عينه القاضي دون طلب الخصوم أو بطلب أحدهماو قاضي الموضوع الذي أمر بالخبرة هو الذي يفصل في أسباب الرد وذلك بناء على طلب يتقدم به الخصم بموجب عريضة تتضمن أسباب الرد توجه له خلال 8 أيام من تاريخ تبليغه بهذا التعيين، ويفصل في الرد بآمر غير قابل لأي طعن وذلك دون تأخير().
2- أسباب الرد :اسباب الرد نصت عليها المادة 133 /2 من القانون 09-08 وتتمثل في:
القرابة المباشرة أو غير المباشرة لغاية الدرجة الربعة، و وجود مصلحة شخصية أو لأي سبب جدي آخر.
3- آثار الرد:إن الرد يوقف أثر الحكم وأداء اليمين من طرف الخبير ولا يسري هذا إلا بعد الفصل في طلب الرد.
يمكن أن يكون الرد غير المبرر سببا للتعويض من طرف المدعي الذي لم يؤسس طلبه لصالح الطرف الآخر عن التسبب في تأخير حل النزاع وأيضا لصالح الخبير نظرا لما يشكله الرد من المساس باعتباره الذي يتمتع به، وإذا قرر الخبير متابعة طالب الرد بدعوى التعويض فإنه لا يستطيع البقاء كخبير في النزاع ويتم استبداله وذلك لأنه أصبح خصما() لأحد أطراف النزاع في حين أن عمله يفرض عليه الحياد وعدم الانحياز إلى أحد الخصوم وإلا عد ذلك خطأ مهنيا يستوجب التأديب().
المطلب الثالث : الأجراءات السابقة لمباشرة الخبرة
تجري عمليات الخبرة في التاريخ الذي يبلغه الخبير إلى الخصوم الذين يمكنهم الحضور شخصيا أو تعيين نائب لهم إلا إذا استحال حضورهم بسبب طبيعة الخبرة، ويكون التبليغ بواسطة المحضر القضائي()، وتسجل ملاحظات الخصوم عند الاقتضاء في تقرير الخبرة ،ويؤدي الخبير مهمته بدقة ضمن الإطار المحدد من قبل الجهة القضائية التي عينته قبل الفصل في أصل الحق()، وذلك تحت سلطة القاضي الذي عينة وتحت مراقبة النائب العام() الذي يوفر له تدابير يرى بعض الفقه أنها أفضل من تلك التي تضمنها قانون الإجراءات المدنية القديم فيما يتعلق بتمويل إجراءات التحقيق واللجوء إليها منذ البداية حتى لا يكون ذلك سببا في تأخير التحقيق أو إعاقته() ،ولإنجاز مهمة الخبير هناك عدة خطوات ضرورية :
الفرع الأول: إيداع التسبيق :la provision
يقصد بالتسبيق" " مبلغ مالي يحدده القاضي الآمر بالخبرة بحيث يكون مقاربا قدر الإمكان للمبلغ النهائي المحتمل لأتعاب الخبير ومصاريف الخبرة، ويقع على عاتق الخصم الذي طلب الخبرة أو الخصوم دفعه في الأجل الذي يحدده القاضي، وفي حال لم يتم إيداع التسبيق في الأجل المحدد يعتبر تعيين الخبير لاغيا()، إلا إذا قدم الخصم طلبا لتمديد الأجل أو رفع إلغاء تعيين الخبير بموجب أمر على عريضة إذا ثبتت في حين ثبتت حسن نيته() ، ويودع مبلغ التسبيق في الأجل المحدد لدى أمانة الضبط ولا يجوز دفعه مباشرة للخبير() وهذه التدابير تعتبر مستحدثة فالنص على إيداع مبلغ التسبيق يعد ضمانا لتلقي الخبير لأتعابه وما يبذله من مصاريف ،ولا يرخص للخبير باقتطاع جزء من التسبيق المودع لدى أمانة الضبط إلا إذا قدم تبريرا وإذا تبين أن المبلغ المودع غير كاف لتغطية أتعاب الخبير يحدد القاضي مبلغا إضافيا وأجلا لإيداعه، وفي حال عدم التزام الخصوم بهذا الإجراء يودع الخبير تقريره على الحالة التي يوجد عليها ويستغنى عما تبقى من إجراءات().
وتعليقا على المادة: 129/ :في الواقع أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بسقوط حق الخصم الذي لم يقم بإيداع الأمانة الخبير في التمسك بالحكم الصادر بتعيين الخبير إلا إذا وجدت أن الأعذار التي أبداها الخصم لذلك غير مقبولة وهذا يقتضي علم الخصم بالحكم الذي ألزمه بدفع أمانة الخير حتى يدفعها في الأجل المحدد في هذا الحكم أو إبداء مبررات امتناعه ولما كان قانون 09-08 توجب إعلان منطوق الأحكام الصادرة بإجراءات التحقيق إلى من لم يحظر النطق بها من الخصوم وإلا كان العمل لاغيا فلا يجوز للمحكمة أن تقضي باعتبار تعيين الخير لاعنا إلا إذا كان قد أعلم بهذا، وقضاء المحكمة بعد أن قضت باعتبار تعيين الخبير لاغيا وقد أصدرت حكما بتعيينه فقط لعدم قدرتها على الحكم وقضت بإلغاء تعيينه اضطرارا بسبب عدم دفع أمانة الخبير إلا عجزها على إلزام الخصوم بأدائه.
ثانيا : تسليم الوثائق والمستندات إلى الخبير:حتى يفهم الخبير بصفة جيدة المهمة التي تولاها لا بد من تسليمه الوثائق والمستندات التي يراها ضرورية لانجاز مهمته دون تأخير()، إن ملف القضية والوثائق التي قدمها الخصوم يتم حفظها مؤقتا بأمانة المحكمة وليس من المفروض أن يطلع الخبير على الوثائق والأدلة التي ليس لها علاقة بتنفيذ مهمته ،ويمكن للخبير الإطلاع على الوثائق بكتابة ضبط المحكمة حتى قبل قبول المهمة، إذا اعترض الخبير أي أشكال متعلق بحصوله على المستندات الضرورية إعلام القاضي الذي يأمر الخصوم تحت طائلة غرامة تهديدية بتقديم المستندات()،ويجوز للقاضي أن يستخلص الآثار القانونية المترتبة على امتناع الخصوص عن تقديم المستندات().
التحقيق القضائي : الخبرة القضائية ،وسيلة تحقيق في المواد الإدارية
التحقيق القضائي
مقدمة
يقول الله تعالى :" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ".
إن قدرات العقل الإنساني مهما بلغ من الذكاء تظل محدودة وفي تخصص القانون بالذات الذي تتنوع فيه التخصصات الفرعية وتزداد النصوص القانونية عددا وتعقيدا.
مادة الإجراءات التي يسميها الفقه الفرنسي "الابن الرهيب للعائلة القانونية " تخصص معقد بالنسبة للباحثين والمحامين والقضاة على حد سواء نظرا لما تشكله هذه المادة من أهمية باعتبارها الوسيلة المفضلة لحرية اللجوء إلى القضاء للحصول على الحقوق وتعبر عن مساواة الجميع أمام القضاء .
إذا كان الهدف الأسمى للجوء إلى القضاء من طرف المواطنين هو تحقيق العدالة واستعادة الحقوق ،فإن القاضي وحده لا يمكنه ذلك بمفرده خاصة إذا كان النزاع يشوبه اللبس والغموض وعدم الإلمام بكل جوانب الموضوع خاصة إذا تعلق النزاع بوقائع لها طابع علمي أو فني يصعب على القاضي فهمه ليس بسبب نقص الذكاء أو الخبرة أو الإدراك ،بل أن تكوين القاضي في حد ذاته وخبرته القانونية لا تتيحان له إدراك أمور لها أهلها من التقنيين والمتخصصين ،هؤلاء منحهم المشرع إمكانية المساهمة في حل النزاعات وذلك باستعانة القضاء بهم فهم من مساعدي القضاء و يسمون الخبراء القضائيون.
تعد الخبرة من أهم وسائل التحقيق سواء في القضاء أو في مجالات أخرى كالتأمين والطب و غيرهما وموضوعنا يدور حول الخبرة القضائية كوسيلة من وسائل التحقيق بالنسبة للقاضي الإداري.إن منازعات القضاء الإداري وإن كانت لها خصوصياتها المتعلقة بطبيعة النزاعات و الاختصاص القضائي إلا أنه بالنسبة للخبرة القضائية أوردها المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ضمن الأحكام المشتركة ،سواء من حيث أسباب اللجوء إليها وأنواعها والتخصصات التي تفرضها طبيعة النزاع ،وكذا إجراءاتها و حجيتها وآثارها تكاد تكون واحدة بالنسبة للقضاء ين العادي والإداري .
تناول قانون 09-08 الخبرة القضائية في المواد من125 إلى 144 مستعيدا بعض المواد التي تضمنها قانون الإجراءات المدنية القديم و مستحدثا لبعض المواد الجديدة والبحث في موضع الخبرة هو محاولة أمام ضخامة النصوص في هذا التقنين العملاق ،للمساهمة ولو بجزء بسيط في دراسة بعض أحكامه التي تتطلب مشاركة جميع المختصين لتسهيل تطبيقه ميدانيا نظرا لصعوبة المادة و قلة الفقه فيها في بلادنا.
موضوع البحث مقسم إلى 3 مباحث :
المبحث الأول مخصص لماهية الخبرة القضائية ومبحث ثان لإجراءاتها والمبحث الثالث يتناول إنجاز الخبرة القضائية وآثارها.
المبحث الأول: ماهية الخبرة
تعرض على القاضي أحيانا عند النظر في النزاعات وقائع قد يعجز عن الحكم حول مدى صحتها، أو وثائق لا يستطيع الجزم بصحتها لعدم قدرته على الإلمام بها، وقد تتعلق وقائع النزاع بأمور فنية أو علمية أو تقنية تتجاوز قدراته وتكوينه كأن يتعلق النزاع بعلم الهندسة أو الطب أو الحسابات أو الإعلام الآلي ...
وحتى لا يقف القاضي أمام نزاع مرفق العاجز ويتهم بإنكار العدالة فقد خول له القانون اللجوء إلى الخبرة لتساعده على إثبات الوقائع ليصل إلى قناعة معينة تمكنه من إصدار الحكم المناسب، إذن فالخبرة هي استثناء من الأصل العام الذي يقضي بأن المحكمة ملزمة بتحقيق الوقائع التي تفرض عليها وأن نتوصل إلى إثباتها بنفسها ويخصص هذا المبحث لتعريف الخبرة وأنواعها في مطلب أول، ثم بيان أهميتها وطبيعتها القانونية في مطلب ثان.
المطلب الأول: تعريف الخبرة وأنواعها
الفرع الأول: تعريف الخبرة
أولا: التعريف اللغوي: الخبرة لغة من الخبر أي البناء ورجل خابر وخبير، والخبير اسم من أسماء الله الحسنى ورد في القرآن الكريم 47 مرة )، وقد قال تعالى:﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)﴾[سورة الفرقان]. اسأل عنه خبيرا يخبر به()، فالخبرة لغة هي العلم بالشيء والخبير هو العالم.
ثانيا: اصطلاحا: الخبرة اصطلاحا « طريق من طرق الإثبات يتم اللجوء إليها إذا اقتضى الأمر لكشف دليل أو تعزيز أدلة قائمة »().وتعرف أيضا الخبرة:« إجراء يعهد به القاضي إلى شخص مختص يسمى الخبير بمهمة محددة، تتعلق بواقعة أو وقائع مادية يستلزم بحثها أو تقديرها أو على العموم إبداء الرأي فيها علما أو فنا لا يتوافر في الشخص العادي ليقدم له بيانا أو رأيا فنيا لا يستطيع القاضي الوصول إليه وحده().
أما القضاء فقد تصدى لتعريف الخبرة مجلس الدولة الفرنسي بقوله:« الخبرة هي النموذج الأمثل لإجراءات التحقيق التي يأمر بها القاضي الإداري وكان قانون مجلس الدولة لم ينص عليها »().
وهذا ما جاء في تعريف الخبرة الذي تبناه الفقه الفرنسي().
أما التعريف التشريعي للخبرة فإن كل من قانون الإجراءات المدنية في الجزائر وفرنسا لم يعرفا الخبرة، أما قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد 09-08 المؤرخ في 25/02/2008 فقد تكلم فقط عن هدف الخبرة في المادة 125 بقوله « تهدف الخبرة إلى توضيح واقعة مادية تقنية أو علمية محضة للقاضي »، وأوردها في الكتاب الأول الخاص بالأحكام المشتركة لجميع الجهات القضائية في القسم الثامن وتعتبر من إجراءات التحقيق وتحت باب وسائل الإثبات وهذا مسلك الفقه الفرنسي في تعريف الخبرة وبعض الفقه العربي الذي يعتبر الخبرة من وسائل الإثبات (من القواعد الإجرائية للإثبات) أو من أدلة الإثبات غير المباشرة، ومنهم من اعتبرها نوع من الشهادة().
التعريف الراجح للخبرة أنها:« إجراء هدفه الوحيد إعلام القاضي عن التقدير المادي للوقائع ولا يمكن أن يكون هدفه الفصل في نقطة قانونية ». ولهذا السبب تردد القضاء والفقه في قبول الخبرة في دعوى تجاوز السلطة والتي تعد ميدانا للتكهن بالشرعة كونها ذات طابع قانوني()، إلا أنه رغم ذلك قبل مجلس الدولة اللجوء إلى الخبرة في هذا الخصوص إذا كانت مدى شرعية القرار المطعون فيه تتوقف على عناصر " واقعية "() ويلاحظ أن أحكام الخبرة التي أدرجها المشرع في المواد 125 إلى 146 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية هي ذاتها سواء بالنسبة للقضاء العادي أو القضاء الإداري، يتم اللجوء إليها عندما يتعلق موضوع النزاع بمسألة فنية أو لها صلة بفرع من فروع المعرفة بخلاف المعارف القانونية، ومع ذلك يرى بعض الفقه في مصر أنه إذا تعلقت مسألة النزاع بقواعد قانونية لا يفترض في القاضي العام في الدولة العلم بها كقواعد القانون الأجنبي وعندئذ يستعين القاضي العام في الدولة بخبير في هذه القواعد() .•
الفرع الثاني: أنواع الخبرة
هناك عدة أنواع من الخبرة أفرزتها مقتضيات الواقع العلمية والمنطق القانوني
أولا: الخبرة الفضائية: وهي الخبرة التي يأمر بها القاضي أو يطلبها أحد الأطراف وفقا لما تم تعريفه آنفا.
ثانيا:الخبرة الاستشارية: وهي الخبرة التي تتم عن طريق المحكمة لكن لا يشترط صفة الخصم فيمن يلجأ لها وقد تكون خارج القضاء باللجوء إلى أهل الاختصاص أو الفن أو العلم للوصول للرأي والمشورة فيما يتعلق بمعلومات حول مبيع أو سلعة أو مادة، ويرى بعض الفقه أن الخبرة الاستشارية لا يرقى تقريرها إلى مستوى تقرير الخبرة القضائية من حيث القيمة القانونية والحجية باعتبار هذه الأخيرة بينة قانونية عكس الأولى().
ثالثا- الخبرة الاتفاقية: أو الخبرة الودية وهي الخبرة التي يلجأ إليها أطراف النزاع إلى خبير دون تدخل القضاء ليبدي رأيه في مسألة فنية أو تخصصية مختلف حولها ويتم اختيار الخبير من الطرفين، وتقريره لا يلزم المحكمة إلا بقدر ما تم الاتفاق عليه().
ويمكن تقسيم الخبرة حول مضمونها أو طبيعة التخصص محل الخبرة إلى: خبرة طبية تهدف إلى تعيين مدى الضرر الحاصل للضحية بهدف تقدير التعويض، خبرة عقارية، زراعية، تجارية والأكثر شيوعا في المجال القضائي هي:الخبرة التي تهدف إلى تقسيم العقارات وقسمة التركات والخبرة الطبية والخبرة المحاسبية.
يمكن تقسيم الخبرة إلى حضورية و غير حضورية حسب ما إذا قام بها الخبير أمام الأطراف أم لا.
في وقتنا الحالي مع تطور العلم والتكنولوجيا أصبح مجال الخبرة أكثر اتساعا ليشمل علوم لم تكن من قبل معروفة، فمثلا علم الوراثة تطور إلى تقنيات جديدة في التعرف على الأفراد الذين يهتم بهم القانون، فأسلوب البصمات الو راثية التي أوضحه" ألفريد جفري" عام 1981 في بريطانيا يرتكز على تحليل الحمض النووي انطلاقا من عينة مأخوذة من أحد الأفراد (دم أو مني) وفي ميدان النسب عند النزاع حول الأبوة تصبح البصمات الو راثية ملكة الأدلة ورغم ما يقدمه علم الوراثة في خدمة " الحقيقة البيولوجية " في ميدان النسب غير أن القاضي يظل حرا إما أن يأمر بالخبرة أو لا يأمر بها وقبل طلب إجرائها والفحص فإن المدعي الباحث عن الأبوة عليه أن يقدم حدا أدنى من عناصر الدليل والإثبات().
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للخبرة وأهميتها
الفرع الأول: الطبيعة القانونية للخبرة
اختلف الفقه حول الطبيعة القانونية للخبرة وانقسم إلى عدة آراء:
الرأي الأول: اعتبر الخبرة نوعا من الشهادة أو شهادة فنية،حيث أن كلا من الخبير والشاهد يدلي بمعلومة ويحلف يمينا، وهذا الأمر أكد عليه المشرع الجزائري من حيث إلزام الخبير أداء اليمين(). وإمكانية الإدلاء بتقريره شفاهة أمام المحكمة()، لكن الخبرة تشترط أن يكون الشاهد يتمتع بأهلية معينة ليست متوفرة لدى الجميع().
الرأي الثاني: يعتبر الخبرة مجرد وسيلة لتقدير وتقييم دليل مطروح على القضاء فهي ليست وسيلة إثبات في حد ذاتهاولا تمثل دليلا فلا يكون لها وجود إلا إذا عجز القاضي عن تقييم دليل إثبات مقدم في الدعوى ليساعده على إزالة ذلك الغموض ().
الرأي الثالث: يرى أن الخبرة ليست إلا مجرد إجراء يساعد القاضي وليست وسيلة إثبات،والدليل على ذلك أن القاضي حر في اللجوء إليها من عدمه، كما أنه غير ملزم بما جاء به تقرير الخبرة().
الرأي الرابع: يرى أن الخبرة وسيلة إثبات خاصة تتطلب معرفة خاصة ودراية لا تتوفر في المحكمة يلجأ لها لإثبات واقعة محل النزاع،فهي وسيلة إثبات مباشرة في حل النزاع وإنهائه وقد تكون غير مباشرة،كأن تكون الخبرة وسيلة إثبات في التحقيق في الخطوط.
ويؤيد هذا الرأي العديد من الفقه إلا أنه ورغم الدور الذي تلعبه الخبرة من إثبات الوقائع فإنها تظل إجراءا مساعدا للقاضي للوقوف على حقيقة مادية تتجاوز تكوينه في إدراكه وإن كان الأصل العام اعتبارها دليل إثبات وتخرج عن هذا الأصل عندما لا تتدخل لإثبات الموضوع محل الخبرة وإنما لإزالة الإبهام والغموض الذي يواجه المحكمة فبالنسبة للقضاة الخبرة ليست مجرد وسيلة إثبات عادية بل هي من الأمور الجوهرية والهامة في إجراءات التقاضي، نظرا للتطور التقني والعلمي.
ويرى الفقه الفرنسي أن الخبرة إجراء فرعي فهي بحق خصومة ملحقة أي أنها تشكل هدفا في حد ذاتها لكنها وضعت لخدمة التحقيق في الخصومة الرئيسية التي لا يمكن أن توجد الخبرة مستقلة عنها،كما هو الحال في المواد الاستعجالية()، وتطبق عيها المبادئ العامة لتدابير التحقيق، وللقاضي الخيار بالأمر بالخبرة أو عدمه بناء على طلب الطرفين أو من تلقاء نفسه، والقاضي الإداري بإمكانه أن يقبل أن يقدم أمامه تقرير خبرة أمر بها قاض آخر حتى لو كان قاضيا عاديا()، وهذا لاتجاه يؤيد رأي الأستاذ السنهوري الذي يرى أن الخبرة خارجة عن نطاق موضوعات الإثبات وإلى اعتبارها ضمن نظام القضاء()، ونحن نميل إلى هذا الرأي وخاصة أن المشرع الجزائري اعتبر أن الخبرة القضائية من وسائل التحقيق وأدرجه في إجراءات سير الدعوى القضائية()،رغم إدراجها في باب وسائل الإثبات.
الفرع الثاني: أهمية الخبرة()
للخبرة دور هام في الإثبات بالنظر إلى التطورات العلمية والتقنية التي يشهدها العصر الحالي، مما جعل الكثير من النزاعات تتعلق بوقائع لها جانب علمي أو فني يخرج عن حدود إدراك القاضي وعلمه،لذلك فقد تضمنت قوانين الإجراءات القضائية نصوصا تمكن القاضي من الاستعانة بالخبراء وذلك بالقدر اللازم في أضيق تفسير وترك زمام الخبرة بيده حيث يقدر أولا أهمية إجرائها وتقديرها ومدى الأخذ بنتيجتها، وبالتالي فأهميتها في النزاع مرهونة بسلطة القاضي بتوفر شرطين:
أولا:أن تكون الوقائع محل الإثبات بالخبرة مما يخرج بطبيعته عن إدراك القاضي،أي أن الصعوبات الفنية تجاوز معرفة القاضي العام في الدولة وثقافته العامة.
ثانيا:ألا يتضمن ملف الدعوة ووقائعها الثابتة ما يغني عن إجراء الخبرة وكافيا لتأسيس الحكم().
والملاحظ أن الخبرة في وقتنا الحالي أصبحت ملاذا للقضاة نظرا للتطور الهائل الذي تشهده الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعلمية، حيث طرأت نزاعات عديدة لم تكن معروفة سابقا تتميز بالغموض أحيانا كثيرا بالنسبة للقاضي الذي تنحصر قدراته في المعرفة القانونية وليست التقنية، وحتى في المجال الإداري تعد الخبرة إجراءا جوهريا فمعظم النزاعات الإدارية تعلق بالقضايا العقارية مع البلديات والصفقات العمومية التي تبرمها المؤسسات ذات الطابع الإداري ودعاوى المسؤولية الإدارية التي تتطلب عادة تعيين خبير لتقدير ر واقتراح التعويض()، إذا فأهمية الخبرة تكمن في أنها لا تشكل هدفا في حد ذاتها لكنها وضعت لخدمة التحقيق في الخصومة الرئيسية يأمر بها القاضي قبل الفصل في موضوع الحق،كما يمكن أن تطلب خارج الخصومة الرئيسية كما هو الحال في مادة الاستعجال().
المطلب الثالث: تمييز الخبرة عن وسائل الإثبات الأخرى
يعرف الخبراء بالمساعدين القضائيين أو أعوان القضاء وتتميز الخبرة عن وسائل الإثبات الأخرى بكونها إجراء قضائي، فهي قضائية والقاضي كأصل عام يمكن أن يأمر بإجرائها بناء على طلب الخصوم أو من تلقاء نفسه ويمكنه رفض إجرائها وهو الذي يعين الخبير، ويحدد مدى الأخذ بتقريره وكذلك يقدر أتعابه()، وهي تنشأ بمجرد صدور الحكم بإجرائها وتستلزم نفقات ومدة زمنية لإجرائها إلا أن بعض الفقه اعتبرها جزء من المعاينة وفريق آخر اعتبرها جزء من الشهادة().
الفرع الأول: الفرق بين الخبرة والشهادة
الشهادة تصدر عن إنسان عاش واقعة ويعتبر الفقه الخبرة نوع من الشهادة فكلاهما يتطلب اليمين، إلا أن هناك فروقا بينهما:
أن الشهادة تتوقف على من يدلي بها دون سواه عكس الخبرة إذ يمكن استبدال الخبير بغيره() وذلك ينطبق سواء بالنسبة لمحكمة الدرجة الأولى أو إذا طعن في الحكم بالاستئناف.
الشهادة تتضمن الإدلاء بواقعة شهدها الشاهد ولا تتطلب خبرة ودراية أو فنا أو تخصصا ولا إبداء للرأي هذا عكس الخبرة تماما،ويشترط في الشاهد سلامة إدراكه في حين يشترط في الخبير التخصص والدراية بفن أو علم يبذل فيهما جهدا،والشاهد يدلي بواقعة سابقة شهدها بنفسه في حين أن الخبير لم يشهد الواقعة بل يعمل على إثباتها كأن يثبت التزوير أو الحالة العقلية لشخص.
يمكن للخبير أن يمتنع الخبير عن أداء الخبرة أو يعتذر عنها عكس الشهادة فهي ملزمة للشاهد.
يمين الخبرة تتضمن تعهد الخبير بأداء عمله بصدق وأمانة() وإجراءات الخبرة تختلف عن إجراءات اليمين،ويتلقى الخبير أتعابا عن خبرته في حين لا يتلقى الشاهد أي مقابل والمشرع الجزائري ميز بين الشهادة والخبرة().
الفرع الثاني: الفرق بين الخبرة والمعاينة
يمكن للقاضي مشاهدة محل النزاع بنفسه ليتمكن من فهم واقعي صحيح للقضية المعروضة عليه وهذا ما يسمى بالمعاينة ويمكنه تحرير محضر أو تقديمه شفهيا أثناء الحكم حيث أن المعاينة يستطيع التعامل معها ميدانيا لبيان دليله وتختلف عن الخبرة بكونها تعطي للمحكمة فكرة مادية محسوسة عن الواقعة لا يوفرها ملف الدعوى ولا حتى تقارير الخبرة وقد قيل أن:« تقرير الخبرة مهما بلغ من الدقة والحيدة فلن يعطي القاضي الصورة الكاملة للواقع كما لو رآها بعينه وليس من سمع كمن رآى »()والمشرع الجزائري ميز بين الخبرة والمعاينة() ،ويقوم القاضي بنفسه بتقديم نتائج المعاينة شفهيا بنفسه أو يحرر محضر بذلك ويبقى إجراء المعاينة جوازيا بالنسبة للقاضي والفرق بينها وبين الخبرة أنها تعطيه فكرة محسوسة عن الواقعة().
المبحث الثاني: إجراءات الخبرة
المطلب الأول: افتتاح الخبرة L'ouverture de l’expertise
إن تعقيد المسألة التقنية المطروحة في النزاع يمكن أن يؤدي إلى تعيين خبير أو أكثر، والمشرع الجزائري لم يحدد عدد الخبراء إذ قرر جواز() تعيين خبيرا أو عدة خبراء من نفس التخصص أو من عدة تخصصات والأصل العام أنه لا يتم تعيين إلا خبير واحد، ويجيز القانون الفرنسي أن يلجأ إلى رأي تقني L’avis d’un expert أثناء سير التحقيق شرط أن يكون تخصصه مخالف لتخصص الخبير() ولكن من الناحية العملية ونظرا لكلفة الخبرة يعين خبير واحد وهذا ما أخذ به المشرع الفرنسي في المادة 264 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي() ،ويمكن للخبرة أن يتم افتتاحها بطريقتين :
الفرع الأول: اللجوء للخبرة بإرادة القاضي
مسألة الاستعانة بالخبرة متروك للسلطة التقديرية للقاضي إذ نصت المادة75 من القانون09-08 :"يمكن للقاضي بناء على طلب الخصوم أو من تلقاء نفسه أن يأمر شفاهة أو كتابة بأي إجراء من إجراءات التحقيق التي يسمح بها القانون"، إلا أن هناك حالات تكون فيها الخبرة استثنائيا إجبارية في حالات حددها القانون بصريح النص وسبق بيان ذلك وقد نصت المادة 126 من قانون 09-08 على أن:« القاضي يمكنه تعيين خبيرا أو أكثر وهذا هو الأصل العام، فتعقيد المسألة التقنية المطروحة في النزاع تؤدي إلى تعيين خبيرا أو أكثر ».
الفرع الثاني: اللجوء إلى الخبرة بطلب من الأطراف
أجاز قانون 09-08 للخصوم أو أحدهم طلب تعيين خبير ويقدم إلى القاضي، الذي بناء على سلطته التقديرية يوافق على الطلب أو يرفضه() ، حيث نصت المادة 77من القانون 09-08:"يمكن للقاضي ولسبب مشروع وقبل مباشرة الدعوى أن يامر بأي إجراء من إجراءات التحقيق بناء على طلب كل ذي مصلحةقصد ٌامة الدليل و الإحتفاظ به لإثبات الوقائع التي قد تحدد مآل النزاع ..."
ويجب أن يتضمن الحكم الآمر بالخبرة الأمور التالية():
تبرير الحكم الذي يأمر بالخبرة أي الأسباب التي دعت إلى تعيين خبير أو أكثر ().وبيان اسم ولقب الخبير أو الخبراء مع تحديد التخصص وأن يبين بوضوح النقاط التي تنصب عليها مهمة الخبير (تحديد مهمة الخبير تحديدا دقيقا) وتحديد الجدول الزمني للخبرة Le Calendrier de l’expertise وذلك بتعيين أجل إيداع تقرير الخبرة الذي يقوم فيه الخبير رأيه() وإذا تأخر دون مبرر جاز الحكم عليه بغرامة() والحكم عليه بكل ما تسبب فيه من مصاريف وعند الاقتضاء الحكم عليه بالتعويضات المدنية واستبداله() ،أما موعد تقديم طلب الخبرة من طرف الخصوم فيمكن ذلك في أي مرحلة من مراحل الدعوى وفي أي مستوى محاكم الدرجة الأولى أو الثالثة أو حتى أمام مجلس الدولة في الحالات التي تنظر بها للفصل في الموضوع()، وهذا اتجاه المشرع الجزائري،في المادة 76 من القانون 09-08،ولا يشترط في الطلب الذي يقدمه الخصوم لإجراء الخبرة شكلا معينا فيجوز تقديمه شفاهيا ثم يسجل في محضر الجلسة أو كتابة متضمنا أهمية طلب الخبرة وأسبابه.
مقدمة
يقول الله تعالى :" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ".
إن قدرات العقل الإنساني مهما بلغ من الذكاء تظل محدودة وفي تخصص القانون بالذات الذي تتنوع فيه التخصصات الفرعية وتزداد النصوص القانونية عددا وتعقيدا.
مادة الإجراءات التي يسميها الفقه الفرنسي "الابن الرهيب للعائلة القانونية " تخصص معقد بالنسبة للباحثين والمحامين والقضاة على حد سواء نظرا لما تشكله هذه المادة من أهمية باعتبارها الوسيلة المفضلة لحرية اللجوء إلى القضاء للحصول على الحقوق وتعبر عن مساواة الجميع أمام القضاء .
إذا كان الهدف الأسمى للجوء إلى القضاء من طرف المواطنين هو تحقيق العدالة واستعادة الحقوق ،فإن القاضي وحده لا يمكنه ذلك بمفرده خاصة إذا كان النزاع يشوبه اللبس والغموض وعدم الإلمام بكل جوانب الموضوع خاصة إذا تعلق النزاع بوقائع لها طابع علمي أو فني يصعب على القاضي فهمه ليس بسبب نقص الذكاء أو الخبرة أو الإدراك ،بل أن تكوين القاضي في حد ذاته وخبرته القانونية لا تتيحان له إدراك أمور لها أهلها من التقنيين والمتخصصين ،هؤلاء منحهم المشرع إمكانية المساهمة في حل النزاعات وذلك باستعانة القضاء بهم فهم من مساعدي القضاء و يسمون الخبراء القضائيون.
تعد الخبرة من أهم وسائل التحقيق سواء في القضاء أو في مجالات أخرى كالتأمين والطب و غيرهما وموضوعنا يدور حول الخبرة القضائية كوسيلة من وسائل التحقيق بالنسبة للقاضي الإداري.إن منازعات القضاء الإداري وإن كانت لها خصوصياتها المتعلقة بطبيعة النزاعات و الاختصاص القضائي إلا أنه بالنسبة للخبرة القضائية أوردها المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ضمن الأحكام المشتركة ،سواء من حيث أسباب اللجوء إليها وأنواعها والتخصصات التي تفرضها طبيعة النزاع ،وكذا إجراءاتها و حجيتها وآثارها تكاد تكون واحدة بالنسبة للقضاء ين العادي والإداري .
تناول قانون 09-08 الخبرة القضائية في المواد من125 إلى 144 مستعيدا بعض المواد التي تضمنها قانون الإجراءات المدنية القديم و مستحدثا لبعض المواد الجديدة والبحث في موضع الخبرة هو محاولة أمام ضخامة النصوص في هذا التقنين العملاق ،للمساهمة ولو بجزء بسيط في دراسة بعض أحكامه التي تتطلب مشاركة جميع المختصين لتسهيل تطبيقه ميدانيا نظرا لصعوبة المادة و قلة الفقه فيها في بلادنا.
موضوع البحث مقسم إلى 3 مباحث :
المبحث الأول مخصص لماهية الخبرة القضائية ومبحث ثان لإجراءاتها والمبحث الثالث يتناول إنجاز الخبرة القضائية وآثارها.
المبحث الأول: ماهية الخبرة
تعرض على القاضي أحيانا عند النظر في النزاعات وقائع قد يعجز عن الحكم حول مدى صحتها، أو وثائق لا يستطيع الجزم بصحتها لعدم قدرته على الإلمام بها، وقد تتعلق وقائع النزاع بأمور فنية أو علمية أو تقنية تتجاوز قدراته وتكوينه كأن يتعلق النزاع بعلم الهندسة أو الطب أو الحسابات أو الإعلام الآلي ...
وحتى لا يقف القاضي أمام نزاع مرفق العاجز ويتهم بإنكار العدالة فقد خول له القانون اللجوء إلى الخبرة لتساعده على إثبات الوقائع ليصل إلى قناعة معينة تمكنه من إصدار الحكم المناسب، إذن فالخبرة هي استثناء من الأصل العام الذي يقضي بأن المحكمة ملزمة بتحقيق الوقائع التي تفرض عليها وأن نتوصل إلى إثباتها بنفسها ويخصص هذا المبحث لتعريف الخبرة وأنواعها في مطلب أول، ثم بيان أهميتها وطبيعتها القانونية في مطلب ثان.
المطلب الأول: تعريف الخبرة وأنواعها
الفرع الأول: تعريف الخبرة
أولا: التعريف اللغوي: الخبرة لغة من الخبر أي البناء ورجل خابر وخبير، والخبير اسم من أسماء الله الحسنى ورد في القرآن الكريم 47 مرة )، وقد قال تعالى:﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)﴾[سورة الفرقان]. اسأل عنه خبيرا يخبر به()، فالخبرة لغة هي العلم بالشيء والخبير هو العالم.
ثانيا: اصطلاحا: الخبرة اصطلاحا « طريق من طرق الإثبات يتم اللجوء إليها إذا اقتضى الأمر لكشف دليل أو تعزيز أدلة قائمة »().وتعرف أيضا الخبرة:« إجراء يعهد به القاضي إلى شخص مختص يسمى الخبير بمهمة محددة، تتعلق بواقعة أو وقائع مادية يستلزم بحثها أو تقديرها أو على العموم إبداء الرأي فيها علما أو فنا لا يتوافر في الشخص العادي ليقدم له بيانا أو رأيا فنيا لا يستطيع القاضي الوصول إليه وحده().
أما القضاء فقد تصدى لتعريف الخبرة مجلس الدولة الفرنسي بقوله:« الخبرة هي النموذج الأمثل لإجراءات التحقيق التي يأمر بها القاضي الإداري وكان قانون مجلس الدولة لم ينص عليها »().
وهذا ما جاء في تعريف الخبرة الذي تبناه الفقه الفرنسي().
أما التعريف التشريعي للخبرة فإن كل من قانون الإجراءات المدنية في الجزائر وفرنسا لم يعرفا الخبرة، أما قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد 09-08 المؤرخ في 25/02/2008 فقد تكلم فقط عن هدف الخبرة في المادة 125 بقوله « تهدف الخبرة إلى توضيح واقعة مادية تقنية أو علمية محضة للقاضي »، وأوردها في الكتاب الأول الخاص بالأحكام المشتركة لجميع الجهات القضائية في القسم الثامن وتعتبر من إجراءات التحقيق وتحت باب وسائل الإثبات وهذا مسلك الفقه الفرنسي في تعريف الخبرة وبعض الفقه العربي الذي يعتبر الخبرة من وسائل الإثبات (من القواعد الإجرائية للإثبات) أو من أدلة الإثبات غير المباشرة، ومنهم من اعتبرها نوع من الشهادة().
التعريف الراجح للخبرة أنها:« إجراء هدفه الوحيد إعلام القاضي عن التقدير المادي للوقائع ولا يمكن أن يكون هدفه الفصل في نقطة قانونية ». ولهذا السبب تردد القضاء والفقه في قبول الخبرة في دعوى تجاوز السلطة والتي تعد ميدانا للتكهن بالشرعة كونها ذات طابع قانوني()، إلا أنه رغم ذلك قبل مجلس الدولة اللجوء إلى الخبرة في هذا الخصوص إذا كانت مدى شرعية القرار المطعون فيه تتوقف على عناصر " واقعية "() ويلاحظ أن أحكام الخبرة التي أدرجها المشرع في المواد 125 إلى 146 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية هي ذاتها سواء بالنسبة للقضاء العادي أو القضاء الإداري، يتم اللجوء إليها عندما يتعلق موضوع النزاع بمسألة فنية أو لها صلة بفرع من فروع المعرفة بخلاف المعارف القانونية، ومع ذلك يرى بعض الفقه في مصر أنه إذا تعلقت مسألة النزاع بقواعد قانونية لا يفترض في القاضي العام في الدولة العلم بها كقواعد القانون الأجنبي وعندئذ يستعين القاضي العام في الدولة بخبير في هذه القواعد() .•
الفرع الثاني: أنواع الخبرة
هناك عدة أنواع من الخبرة أفرزتها مقتضيات الواقع العلمية والمنطق القانوني
أولا: الخبرة الفضائية: وهي الخبرة التي يأمر بها القاضي أو يطلبها أحد الأطراف وفقا لما تم تعريفه آنفا.
ثانيا:الخبرة الاستشارية: وهي الخبرة التي تتم عن طريق المحكمة لكن لا يشترط صفة الخصم فيمن يلجأ لها وقد تكون خارج القضاء باللجوء إلى أهل الاختصاص أو الفن أو العلم للوصول للرأي والمشورة فيما يتعلق بمعلومات حول مبيع أو سلعة أو مادة، ويرى بعض الفقه أن الخبرة الاستشارية لا يرقى تقريرها إلى مستوى تقرير الخبرة القضائية من حيث القيمة القانونية والحجية باعتبار هذه الأخيرة بينة قانونية عكس الأولى().
ثالثا- الخبرة الاتفاقية: أو الخبرة الودية وهي الخبرة التي يلجأ إليها أطراف النزاع إلى خبير دون تدخل القضاء ليبدي رأيه في مسألة فنية أو تخصصية مختلف حولها ويتم اختيار الخبير من الطرفين، وتقريره لا يلزم المحكمة إلا بقدر ما تم الاتفاق عليه().
ويمكن تقسيم الخبرة حول مضمونها أو طبيعة التخصص محل الخبرة إلى: خبرة طبية تهدف إلى تعيين مدى الضرر الحاصل للضحية بهدف تقدير التعويض، خبرة عقارية، زراعية، تجارية والأكثر شيوعا في المجال القضائي هي:الخبرة التي تهدف إلى تقسيم العقارات وقسمة التركات والخبرة الطبية والخبرة المحاسبية.
يمكن تقسيم الخبرة إلى حضورية و غير حضورية حسب ما إذا قام بها الخبير أمام الأطراف أم لا.
في وقتنا الحالي مع تطور العلم والتكنولوجيا أصبح مجال الخبرة أكثر اتساعا ليشمل علوم لم تكن من قبل معروفة، فمثلا علم الوراثة تطور إلى تقنيات جديدة في التعرف على الأفراد الذين يهتم بهم القانون، فأسلوب البصمات الو راثية التي أوضحه" ألفريد جفري" عام 1981 في بريطانيا يرتكز على تحليل الحمض النووي انطلاقا من عينة مأخوذة من أحد الأفراد (دم أو مني) وفي ميدان النسب عند النزاع حول الأبوة تصبح البصمات الو راثية ملكة الأدلة ورغم ما يقدمه علم الوراثة في خدمة " الحقيقة البيولوجية " في ميدان النسب غير أن القاضي يظل حرا إما أن يأمر بالخبرة أو لا يأمر بها وقبل طلب إجرائها والفحص فإن المدعي الباحث عن الأبوة عليه أن يقدم حدا أدنى من عناصر الدليل والإثبات().
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للخبرة وأهميتها
الفرع الأول: الطبيعة القانونية للخبرة
اختلف الفقه حول الطبيعة القانونية للخبرة وانقسم إلى عدة آراء:
الرأي الأول: اعتبر الخبرة نوعا من الشهادة أو شهادة فنية،حيث أن كلا من الخبير والشاهد يدلي بمعلومة ويحلف يمينا، وهذا الأمر أكد عليه المشرع الجزائري من حيث إلزام الخبير أداء اليمين(). وإمكانية الإدلاء بتقريره شفاهة أمام المحكمة()، لكن الخبرة تشترط أن يكون الشاهد يتمتع بأهلية معينة ليست متوفرة لدى الجميع().
الرأي الثاني: يعتبر الخبرة مجرد وسيلة لتقدير وتقييم دليل مطروح على القضاء فهي ليست وسيلة إثبات في حد ذاتهاولا تمثل دليلا فلا يكون لها وجود إلا إذا عجز القاضي عن تقييم دليل إثبات مقدم في الدعوى ليساعده على إزالة ذلك الغموض ().
الرأي الثالث: يرى أن الخبرة ليست إلا مجرد إجراء يساعد القاضي وليست وسيلة إثبات،والدليل على ذلك أن القاضي حر في اللجوء إليها من عدمه، كما أنه غير ملزم بما جاء به تقرير الخبرة().
الرأي الرابع: يرى أن الخبرة وسيلة إثبات خاصة تتطلب معرفة خاصة ودراية لا تتوفر في المحكمة يلجأ لها لإثبات واقعة محل النزاع،فهي وسيلة إثبات مباشرة في حل النزاع وإنهائه وقد تكون غير مباشرة،كأن تكون الخبرة وسيلة إثبات في التحقيق في الخطوط.
ويؤيد هذا الرأي العديد من الفقه إلا أنه ورغم الدور الذي تلعبه الخبرة من إثبات الوقائع فإنها تظل إجراءا مساعدا للقاضي للوقوف على حقيقة مادية تتجاوز تكوينه في إدراكه وإن كان الأصل العام اعتبارها دليل إثبات وتخرج عن هذا الأصل عندما لا تتدخل لإثبات الموضوع محل الخبرة وإنما لإزالة الإبهام والغموض الذي يواجه المحكمة فبالنسبة للقضاة الخبرة ليست مجرد وسيلة إثبات عادية بل هي من الأمور الجوهرية والهامة في إجراءات التقاضي، نظرا للتطور التقني والعلمي.
ويرى الفقه الفرنسي أن الخبرة إجراء فرعي فهي بحق خصومة ملحقة أي أنها تشكل هدفا في حد ذاتها لكنها وضعت لخدمة التحقيق في الخصومة الرئيسية التي لا يمكن أن توجد الخبرة مستقلة عنها،كما هو الحال في المواد الاستعجالية()، وتطبق عيها المبادئ العامة لتدابير التحقيق، وللقاضي الخيار بالأمر بالخبرة أو عدمه بناء على طلب الطرفين أو من تلقاء نفسه، والقاضي الإداري بإمكانه أن يقبل أن يقدم أمامه تقرير خبرة أمر بها قاض آخر حتى لو كان قاضيا عاديا()، وهذا لاتجاه يؤيد رأي الأستاذ السنهوري الذي يرى أن الخبرة خارجة عن نطاق موضوعات الإثبات وإلى اعتبارها ضمن نظام القضاء()، ونحن نميل إلى هذا الرأي وخاصة أن المشرع الجزائري اعتبر أن الخبرة القضائية من وسائل التحقيق وأدرجه في إجراءات سير الدعوى القضائية()،رغم إدراجها في باب وسائل الإثبات.
الفرع الثاني: أهمية الخبرة()
للخبرة دور هام في الإثبات بالنظر إلى التطورات العلمية والتقنية التي يشهدها العصر الحالي، مما جعل الكثير من النزاعات تتعلق بوقائع لها جانب علمي أو فني يخرج عن حدود إدراك القاضي وعلمه،لذلك فقد تضمنت قوانين الإجراءات القضائية نصوصا تمكن القاضي من الاستعانة بالخبراء وذلك بالقدر اللازم في أضيق تفسير وترك زمام الخبرة بيده حيث يقدر أولا أهمية إجرائها وتقديرها ومدى الأخذ بنتيجتها، وبالتالي فأهميتها في النزاع مرهونة بسلطة القاضي بتوفر شرطين:
أولا:أن تكون الوقائع محل الإثبات بالخبرة مما يخرج بطبيعته عن إدراك القاضي،أي أن الصعوبات الفنية تجاوز معرفة القاضي العام في الدولة وثقافته العامة.
ثانيا:ألا يتضمن ملف الدعوة ووقائعها الثابتة ما يغني عن إجراء الخبرة وكافيا لتأسيس الحكم().
والملاحظ أن الخبرة في وقتنا الحالي أصبحت ملاذا للقضاة نظرا للتطور الهائل الذي تشهده الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعلمية، حيث طرأت نزاعات عديدة لم تكن معروفة سابقا تتميز بالغموض أحيانا كثيرا بالنسبة للقاضي الذي تنحصر قدراته في المعرفة القانونية وليست التقنية، وحتى في المجال الإداري تعد الخبرة إجراءا جوهريا فمعظم النزاعات الإدارية تعلق بالقضايا العقارية مع البلديات والصفقات العمومية التي تبرمها المؤسسات ذات الطابع الإداري ودعاوى المسؤولية الإدارية التي تتطلب عادة تعيين خبير لتقدير ر واقتراح التعويض()، إذا فأهمية الخبرة تكمن في أنها لا تشكل هدفا في حد ذاتها لكنها وضعت لخدمة التحقيق في الخصومة الرئيسية يأمر بها القاضي قبل الفصل في موضوع الحق،كما يمكن أن تطلب خارج الخصومة الرئيسية كما هو الحال في مادة الاستعجال().
المطلب الثالث: تمييز الخبرة عن وسائل الإثبات الأخرى
يعرف الخبراء بالمساعدين القضائيين أو أعوان القضاء وتتميز الخبرة عن وسائل الإثبات الأخرى بكونها إجراء قضائي، فهي قضائية والقاضي كأصل عام يمكن أن يأمر بإجرائها بناء على طلب الخصوم أو من تلقاء نفسه ويمكنه رفض إجرائها وهو الذي يعين الخبير، ويحدد مدى الأخذ بتقريره وكذلك يقدر أتعابه()، وهي تنشأ بمجرد صدور الحكم بإجرائها وتستلزم نفقات ومدة زمنية لإجرائها إلا أن بعض الفقه اعتبرها جزء من المعاينة وفريق آخر اعتبرها جزء من الشهادة().
الفرع الأول: الفرق بين الخبرة والشهادة
الشهادة تصدر عن إنسان عاش واقعة ويعتبر الفقه الخبرة نوع من الشهادة فكلاهما يتطلب اليمين، إلا أن هناك فروقا بينهما:
أن الشهادة تتوقف على من يدلي بها دون سواه عكس الخبرة إذ يمكن استبدال الخبير بغيره() وذلك ينطبق سواء بالنسبة لمحكمة الدرجة الأولى أو إذا طعن في الحكم بالاستئناف.
الشهادة تتضمن الإدلاء بواقعة شهدها الشاهد ولا تتطلب خبرة ودراية أو فنا أو تخصصا ولا إبداء للرأي هذا عكس الخبرة تماما،ويشترط في الشاهد سلامة إدراكه في حين يشترط في الخبير التخصص والدراية بفن أو علم يبذل فيهما جهدا،والشاهد يدلي بواقعة سابقة شهدها بنفسه في حين أن الخبير لم يشهد الواقعة بل يعمل على إثباتها كأن يثبت التزوير أو الحالة العقلية لشخص.
يمكن للخبير أن يمتنع الخبير عن أداء الخبرة أو يعتذر عنها عكس الشهادة فهي ملزمة للشاهد.
يمين الخبرة تتضمن تعهد الخبير بأداء عمله بصدق وأمانة() وإجراءات الخبرة تختلف عن إجراءات اليمين،ويتلقى الخبير أتعابا عن خبرته في حين لا يتلقى الشاهد أي مقابل والمشرع الجزائري ميز بين الشهادة والخبرة().
الفرع الثاني: الفرق بين الخبرة والمعاينة
يمكن للقاضي مشاهدة محل النزاع بنفسه ليتمكن من فهم واقعي صحيح للقضية المعروضة عليه وهذا ما يسمى بالمعاينة ويمكنه تحرير محضر أو تقديمه شفهيا أثناء الحكم حيث أن المعاينة يستطيع التعامل معها ميدانيا لبيان دليله وتختلف عن الخبرة بكونها تعطي للمحكمة فكرة مادية محسوسة عن الواقعة لا يوفرها ملف الدعوى ولا حتى تقارير الخبرة وقد قيل أن:« تقرير الخبرة مهما بلغ من الدقة والحيدة فلن يعطي القاضي الصورة الكاملة للواقع كما لو رآها بعينه وليس من سمع كمن رآى »()والمشرع الجزائري ميز بين الخبرة والمعاينة() ،ويقوم القاضي بنفسه بتقديم نتائج المعاينة شفهيا بنفسه أو يحرر محضر بذلك ويبقى إجراء المعاينة جوازيا بالنسبة للقاضي والفرق بينها وبين الخبرة أنها تعطيه فكرة محسوسة عن الواقعة().
المبحث الثاني: إجراءات الخبرة
المطلب الأول: افتتاح الخبرة L'ouverture de l’expertise
إن تعقيد المسألة التقنية المطروحة في النزاع يمكن أن يؤدي إلى تعيين خبير أو أكثر، والمشرع الجزائري لم يحدد عدد الخبراء إذ قرر جواز() تعيين خبيرا أو عدة خبراء من نفس التخصص أو من عدة تخصصات والأصل العام أنه لا يتم تعيين إلا خبير واحد، ويجيز القانون الفرنسي أن يلجأ إلى رأي تقني L’avis d’un expert أثناء سير التحقيق شرط أن يكون تخصصه مخالف لتخصص الخبير() ولكن من الناحية العملية ونظرا لكلفة الخبرة يعين خبير واحد وهذا ما أخذ به المشرع الفرنسي في المادة 264 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي() ،ويمكن للخبرة أن يتم افتتاحها بطريقتين :
الفرع الأول: اللجوء للخبرة بإرادة القاضي
مسألة الاستعانة بالخبرة متروك للسلطة التقديرية للقاضي إذ نصت المادة75 من القانون09-08 :"يمكن للقاضي بناء على طلب الخصوم أو من تلقاء نفسه أن يأمر شفاهة أو كتابة بأي إجراء من إجراءات التحقيق التي يسمح بها القانون"، إلا أن هناك حالات تكون فيها الخبرة استثنائيا إجبارية في حالات حددها القانون بصريح النص وسبق بيان ذلك وقد نصت المادة 126 من قانون 09-08 على أن:« القاضي يمكنه تعيين خبيرا أو أكثر وهذا هو الأصل العام، فتعقيد المسألة التقنية المطروحة في النزاع تؤدي إلى تعيين خبيرا أو أكثر ».
الفرع الثاني: اللجوء إلى الخبرة بطلب من الأطراف
أجاز قانون 09-08 للخصوم أو أحدهم طلب تعيين خبير ويقدم إلى القاضي، الذي بناء على سلطته التقديرية يوافق على الطلب أو يرفضه() ، حيث نصت المادة 77من القانون 09-08:"يمكن للقاضي ولسبب مشروع وقبل مباشرة الدعوى أن يامر بأي إجراء من إجراءات التحقيق بناء على طلب كل ذي مصلحةقصد ٌامة الدليل و الإحتفاظ به لإثبات الوقائع التي قد تحدد مآل النزاع ..."
ويجب أن يتضمن الحكم الآمر بالخبرة الأمور التالية():
تبرير الحكم الذي يأمر بالخبرة أي الأسباب التي دعت إلى تعيين خبير أو أكثر ().وبيان اسم ولقب الخبير أو الخبراء مع تحديد التخصص وأن يبين بوضوح النقاط التي تنصب عليها مهمة الخبير (تحديد مهمة الخبير تحديدا دقيقا) وتحديد الجدول الزمني للخبرة Le Calendrier de l’expertise وذلك بتعيين أجل إيداع تقرير الخبرة الذي يقوم فيه الخبير رأيه() وإذا تأخر دون مبرر جاز الحكم عليه بغرامة() والحكم عليه بكل ما تسبب فيه من مصاريف وعند الاقتضاء الحكم عليه بالتعويضات المدنية واستبداله() ،أما موعد تقديم طلب الخبرة من طرف الخصوم فيمكن ذلك في أي مرحلة من مراحل الدعوى وفي أي مستوى محاكم الدرجة الأولى أو الثالثة أو حتى أمام مجلس الدولة في الحالات التي تنظر بها للفصل في الموضوع()، وهذا اتجاه المشرع الجزائري،في المادة 76 من القانون 09-08،ولا يشترط في الطلب الذي يقدمه الخصوم لإجراء الخبرة شكلا معينا فيجوز تقديمه شفاهيا ثم يسجل في محضر الجلسة أو كتابة متضمنا أهمية طلب الخبرة وأسبابه.
مواضيع مماثلة
» الفر'ق بين القرار القضائي والحكم القضائي
» قاضي التحقيق
» من هو المحضر القضائي ؟
» اختصاصات و صلاحيات قاضي التحقيق
» شروط وإجراءات تعيين الوسيط القضائي وفقا للقانون 08-09
» قاضي التحقيق
» من هو المحضر القضائي ؟
» اختصاصات و صلاحيات قاضي التحقيق
» شروط وإجراءات تعيين الوسيط القضائي وفقا للقانون 08-09
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى